يطرح الوضع القانوني للأرض على المؤرخ مشاكل دقيقة ، فإذا ما اتبعنا الفقهاء كسحنون (١) والدّاودي (٢) ، فإننا نتوصل إلى التفكير بأن أرض إفريقية كانت أرض عنوة فتحت بالعنف واعتبرت بالتالي ملكا مشاعا للمجموعة العربية التي تمثلها الدولة. ومع ذلك توجد بعض المناطق التي صنّفها نفس هؤلاء الفقهاء كأراضي صلح تحكمها عهود استسلام ، وأخرى كأراض أسلم عليها أهلها. بالرغم من أهمية هذا التصوّر فإنه يبقى تقليديا ، وتبقى جدواه في كل الأحوال جبائية خالصة.
ومع ذلك ، فإن الواقع الملموس يصعب تطويقه ، خاصّة وأننا نجهل كل شيء عن حجم مختلف أنواع الملكيّات والوضع القانوني للمزارعين القدامى الذين يعانون بشكل أو بآخر من الارتباط بالأرض ، وكذلك عن الأراضي التي منحت إلى القبائل البربرية التي أسلمت.
لقد استعادت الدولة الإسلامية مباشرة أملاك الإمبراطور والأرستقراطية العليا لتعيد توزيع جزء منها على عناصر من الأرستقراطية العربية تحت تسمية «القطائع» ، وبالتالي لم يقع مسّ هيكلة بعض الأراضي القديمة. وتخوّل لنا إشارات متعدّدة ، تحيل خاصة على أسماء الأماكن ، إلى التفكير ، فضلا عن ذلك ، أن يزيد بن حاتم والي القيروان بين ١٥٥ و ١٧٠ ه ، بعد أن سرّح قسما من الجيش العربي الأموي ، أقرّه في وحدات قبلية في وادي مجردة وفي الوطن القبلي ؛ وهذا ما تشهد عليه أسماء الأماكن التي حفظت لنا إلى أيامنا هذه مثل الأزدين (قبيلة الأزد) ، ومهرين (مهرة) وكلبين (كلب) (٣) .. إلخ.
لم يكن ولا يمكن أن يكون هذا القطاع من الأملاك العامّة العربية أو المستعربة إلّا خاضعا لضريبة العشر ، إلّا أن هذا لا ينطبق على غالب
__________________
(١) المدوّنة ، ج ٢ ، ص ١٧٥ و ٢٠٠.
(٢) كتاب الأموال والمكاسب ، حوليات الجامعة التونسية للآداب ، ج ٤ ، ١٩٦٧ ، ص ٨٤ ـ ١٠٠.
(٣) نحيل على دراستنا التي نشرت في : Studia Islamica ,XXVII ,pp.٨٧ ـ ١٢١.