كان الرّباط ، باعتباره قلعة بحرية ومكان عزلة دينية في نفس الوقت ، إنجازا تحوّل إلى مؤسسة حقيقية ستلعب دورا مهمّا في الحياة الروحية لإفريقية.
لقد كانت تونس بالتأكيد المدينة المهمة الثانية بعد العاصمة ، فهي «أحد القيروانين» حسب العبارة المأخوذة عن المنصور. إنّ تونس تجمّعت فيها القوى الاقتصادية والاجتماعية لشمال إفريقية مؤكّدة بذلك نفسها على أساس أنها الوريثة الجغرافية لقرطاج. لقد كانت هذه المدينة تقريبا إنشاء عربيا بحتا ، إذ يعود إلى حسان بن النعمان وجودها وازدهارها ، غير أنها ورثت أيضا من العاصمة القديمة البعض من تقاليدها وسكانها وصولا إلى صخورها من غير شك. ولذلك ، فنحن هنا أمام مدينة أقل بروزا من القيروان وأكثر حساسية لتأثير الماضي. في العهد الأموي ، كانت تونس مقرّا للحضريين الأفارق والبيزنطيين ، ومن التجار والملاكين العقاريين وبطبيعة الحال العرب والأقباط. في العهد العباسي وحتى قبل ذلك ، اعتبرت تونس مركزا عسكريا من الطراز الأول ، فهي باعتبارها مقرّ الجند خاصة ، تواجد فيها الصراع بين العناصر القديمة المهزومة والعقلية المطلبية للجند مما جعلها مدينة العصيان المستمر.
إنّ النزعة العسكرية والبحرية لتونس ، كانت قد أملتها ظروف ولادتها نفسها المرتبطة شديد الارتباط بإنشاء حسّان لأسطول بحري.
وهو ذا حسّان أيضا الذي حفر القناة التي جعلت الميناء على اتصال بالبحر ، ولحمايته بنفس المناسبة من كل هجوم مفاجئ.
من وجهة نظر طبوغرافية ، كان يجب إقامة الأسطول على ضفّة رادس ، غير أن قلب المدينة كان يهيمن عليه حضور المسجد الجامع (الزيتونة) ، الذي قد يكون حسان قد حدّده فقط ليقع بناؤه بعد ذلك ، أو إعادة بنائه وتوسيعه من قبل الوالي ابن الحبحاب (١١٦ ـ ١٢٢ ه) ، ليقع تجديده كليا بعد ذلك من قبل الأغالبة. وحول الزيتونة أقيمت الأسواق ومنها ـ مثلما كان الأمر في القيروان ـ أشعّت الأزقة حيث ترصّفت الدور