أهلها ، من طرف عناصر لا نعرفها بالضبط. وهذا حدث كبير (١٣٩ ه) لا بدّ من تفسيره.
لقد قويت الحركة الإباضية واشتدّ عودها فيما دحرت الحركة الصّفرية من إفريقية ذاتها فعادت إلى موطنها الأصلي بالمغرب الأوسط والأقصى من حيث اندلعت. الحقيقة أنّ الإباضية كوّنوا لأنفسهم تنظيما جيّدا وقاعدة مذهبية متينة. فبعد أن أضعفهم في طرابلس قمع عبد الرحمان وعامله ، توجّهوا إلى مشائخ المذهب في البصرة للتّضلّع في الفقه حسب الشمّاخي ولتهيئة ظروف ثورة شاملة لا مردّ لها. وبقوا في البصرة خمس سنوات تحت تأثير أحد شيوخ الإباضية ، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريبة الذي أوصاهم بتسليم القيادة إلى أحد المشارقة أبي الخطّاب المعافري. ورجعوا في سنة ١٤٠ ه.
هنا يقوم أبو الخطّاب ببثّ الدعوة السرّية في القبائل على أساس إعلان" إمامة الظهور" فانضمّت إليه في جهة طرابلس قبائل زناتة وهوّارة ونفوسة وهاجم بها هذه المدينة وغلب على أمرها. ومن هنا بثّ القائد البربري جيوشه فاستولى على جربة سنة ١٤٠ ه. ثم على قابس وكلّ هذه الجهة الجنوبية. لقد تغلّبوا على الصفرية وأخرجوهم من إفريقية وهكذا دخلوا القيروان. ولا شكّ أنّ نيّتهم كانت تكوين دولة إباضية في إفريقية.
لقد عوّضوا الحضور الصّفري لقبيلة" ورفجّومة" في القيروان وكانت سياستهم أكثر اعتدالا إزاء السكان. فالصفرية عاثوا في القيروان فسادا بعد أن قتلوا قاضيها أبا كريب والألف شخص الذين كانوا معه من الفقهاء ورجال الدّين وقد حاولوا صدّهم عن المدينة.
لكن على العكس من هؤلاء ، نجح أبو الخطّاب زعيم الإباضية في إثبات سلطانه وفي التصرّف كصاحب إفريقية لمدّة أربع سنوات (١٤٠ ـ ١٤٤ ه) بل تمكّن من سحق جيش بعث به والي مصر ابن الأشعث قرب ساحل طرابلس (١٤٢ ه) ، هذا الوالي الذي حاول استعادة إفريقية للعبّاسيين. ولم تكن إفريقية العربية بلغت طورا أقرب إلى الانقراض من