الانتقال واشتدّ عودها (١٤٤ ه) ولذا بعث بابن الأشعث نفسه في جيش كبير مع ٠٠٠ ، ٤٠ رجل كما أنّ الخليفة فيما بعد أرسل جيشا آخر يحتوي على ٠٠٠ ، ٦٠ رجل. وهذه الأرقام مضخّمة دون شكّ ويجب في رأيي تخفيضها إلى النّصف. لكنّ الاستعادة كانت صعبة وغير واضحة ليس فقط لأنّ التهديد الخارجي بقي مستمرا وإنّما أيضا لأن تدفّق الجنود العرب / الخراسانيين سيدخل على البلد عنصر اضطرابات كبيرة. لذلك فانتفاضات الجند ستصاحب انتفاضات الخوارج ثم ستحلّ محلّها كعنصر فوضى.
وفي لحظة أولى كانت انتصارات الجيش العبّاسي يسيرة وشاملة. فبخصوص البربر برزت انشقاقات بين قبيلتي هوّارة وزنّاتة ، وهذه قبيلة أبي الخطاب ، ممّا سمح لابن الأشعث بإزاحتهم عن الميدان ، وفي جنوب طرابلس قاد العرب حملة أنزلت القمع على الواحات الإباضية بودّان وزويلة. وهكذا انتهت فعاليات القائد العربي بإقصاء الحركة الخارجية ممّا هو التراب التونسي الآن وإخمادها مؤقتا من بؤرها الطرابلسية. فالانتفاضة التي ظهرت بطنجة والمغرب الأقصى وتسرّبت من هناك إلى إفريقية ـ بالمعنى الجغرافي ـ بما في ذلك طرابلس وعلى الرّغم من انقسامها إلى حركتين ـ صفرية وإباضية ـ كانت تتهيأ الآن لإعادة الطريق معكوسة والتسرّب في هذه المرّة تدريجيا من الشرق إلى الغرب ، ذلك العالم المفرغ من المدن وبالكاد من الحضور الإنساني.
في هذه الفترة أضحت منطقة" الزّاب" تثبت أنّها العمود الفقري للمقاومة البربرية ـ الخارجية كما كانت من قبل ومن عهد بعيد إذ الزّاب هو" نوميديا" ذات الحركية التاريخية التي لا تدانى على أرض المغرب ورمز الاستقلالية المغربية من عهد قرطاج. ولو لا الرّومان وشؤم الصيرورة التاريخية ، لكان من المؤكّد أن تصبح بؤرة مملكة بربرية ـ مغربية تجسّد مبدأ الدولة ومن وراء ذلك تهيئ لحضارة منبثقة من روح هذه الأرض. وقد لمّحنا إلى هذا سابقا. أمّا الآن فقد اتّجهت الجيوش