العربية إلى الزّاب مركز جذب القوات العربية وشيئا فشيئا مركز استيطانها وتواجدها ، وبالتالي بؤرة الاضطرابات العسكرية إذ أكّدت هذه المقاطعة على دورها كأرض حدودية وكثغر كبير (marche). وأراضي الحدود ، عبر التاريخ ، كانت مؤهّلة لتكوين الممالك لأنها تجمع بين كثافة القوّة ودور حماية البلاد وقسط من الاستقلالية. ومن هنا ستخرج إمارة إبراهيم بن الأغلب وليس من القيروان ولا من سهول مدينة تونس.
على الرّغم من انتصاراته على الخوارج ، وجد ابن الأشعث نفسه مجبرا في سنة ١٤٨ ه أن يترك ولايته على إفريقية وأن يلتحق بالمشرق بحكم كراهية الجيش له. ومن الأرجح أنّ سبب غضب الجند هو عدم ارتياحهم لابتعادهم عن ديارهم وأهليهم بالقيروان أو بتونس أو بالشرق.
وهذه ظاهرة قديمة منذ العهد الأموي وهي ما كان يسمّى" بتجمير" البعوث وفي المشرق خصيصا بسبب استمرار الفتوحات. فالمقاتلة إذ يوجّههم الوالي إلى منطقة حرب يعتبرون أنّ هذا التوجيه وقتي لا يأخذ إلّا ردح زمن صائفة وحملة ثم يرجعون إلى أهليهم في مصرهم سواء الكوفة أو البصرة في العراق مثلا حيث كانوا مستقرّين كمسلمين يتقاضون العطاء ويشاركون في حياة مصرهم وعليهم فقط واجب الجهاد لكن ليس كجيش مرتزقة. هذا ما يفسّر ثورة جيش ابن الأشعث العارمة في سجستان في ٨٢ ه ، أيام الوالي الحجّاج بن يوسف إثر تجميره أي بقائه في أرض الجهاد أكثر من اللازم. وقد كادت هذه الثورة أن تذهب بالدولة الأموية جملة.
هذه المشكلة صارت تطال ذلك البعث الكبير من المشرق أي أناسا ابتعدوا عن مناخهم لفترة ولا يرضون بالبقاء طويلا في أرض نائية. لقد اعتمدت الخلافة على جيشها وليس على المقاتلة العرب المستوطنين إفريقية لضعف عددهم ولضعف ولائهم وعجزهم عن دحر الثورة الخارجية وعلى التئام شملهم. هذا ما يفسّر غضب وتحركات الجيش العبّاسي الجديد الآن وفيما بعد. لكنّ هناك بؤرة ثانية بعد الزاب لثورات