المقاتلة وهي مدينة تونس التي صارت أكثر فأكثر ثغرا عسكريا وستطفو ثورات هذه المدينة على السطح في آخر هذه الفترة كما في العهد الأغلبي ، ولعلّه يوجد فرق بين هوية جند الزاب ووضعيته وبين هوية جند تونس ووضعيته.
بعد رحيل ابن الأشعث ، سمّي الأغلب بن سالم على الولاية والتحق بالزّاب بهدف الاقتتال مع الصّفرية وهم تحت قيادة أبي قرّة. لكنّ أبا قرّة رفض المصادمة وفرّ نحو الغرب الأقصى وهو موطن الصفرية خلافا للأدنى موطن الإباضية. ولم يرد الجند ملاحقته واعتبروها تجميرا بإيعاز من القادة العرب بالرّغم من إلحاح الأغلب بن سالم. ولا ندري هل كان يعتبر القوّاد أنّ الملاحقة في أراض شاسعة لا تؤدّي إلى شيء أم صاروا يعتبرون أنّ في إفريقية إلى حدود الزّاب وطرابلس كفاية لتوطيد ولاية مهيكلة لها وجود وشخصية ويمكن مراقبتها. وفي نفس الحين ، اندلعت ثورة جند في تونس ، ذلك القطب العسكري الثاني ، يرأسها الحسن بن حرب ، ورجع الوالي أدراجه والتقى بالمتمرّدين في معركة غير متكافئة هلك فيها (١٥٠ ه / ٧٦٧ م).
وهكذا يتبيّن الآن وسيتبيّن أكثر بعد قليل أنّ المجهودات العسكرية من طرف الخلافة لا تحلّ المشاكل وأنّ عدم الاستقرار من نصيب بلاد المغرب ، خلافا لمصر والعراق والشام وحتى إيران ، حيث التحرّكات تأتي من العرب المسلمين أنفسهم وليس من الأهالي أهل الذمّة الذين قهرهم الفتح نهائيا. هنا لن تنتهي ولن تخمد الحركات البربرية ـ الخارجية وتطفو على السطح على الدوام. ذلك أنّ قبائل البربر ليسوا كالأعلاج من فلّاحي الأرض ، فهم أحرار ومحاربون ودائما في الترحال والحركة. وهم مسلمون قاطبة وليسوا بأهل ذمّة. وهم أخيرا خوارج أي منخرطون في مذهب يجعلهم على قدم مساواة مع العرب بل من رأيهم وبإمكانهم أن يكفّروا العرب باسم مذهبهم جملة. كلّ هذا الأمر يدخل في دينامية تاريخية عجيبة لكن لها نصيب عظيم من الجدّة.