وعيّن الخليفة للولاية أوّل المهلّبيين ، الذين سيتتابعون على إفريقية إلى حدّ تكوين شبه أسرة حاكمة مزكّاة من طرف الخليفة ، واسمه عمرو بن حفص بن قبيصة ، لكنّ الحركة الخارجية لم تخمد وأخذت عنفوانا جديدا. وحوصر الوالي" بطبنة" بالزّاب من طرف عدد كبير من البربر ولم يستطع النّجاة إلّا بدفع رشوة لأخ القائد الخارجي أبي قرّة الإفريني. لكنّ الخوارج حاصروه بالقيروان وتمّ قتله في إحدى محاولات الانفلات (١٥٤ ه). ودخل أبو حاتم الإباضي بالقوّة العاصمة واستباحها لجنوده ، وهكذا سقطت القيروان عنوة للمرّة الثالثة. وعمّت الفوضى من جديد البلاد.
عندئذ قرّرت السلطة ببغداد بذل مجهود كبير وأرسلت رجلا عرف عنه النشاط والقيمة الشخصية وهو أيضا من أحفاد المهلّب بن أبي صفرة. إنه يزيد بن حاتم الذي اصطحب جيشا يعدّ ٠٠٠ ، ٦٠ رجل حسب الإخباريين وهو رقم مضخّم كما سبق لي أن قلت ، لكن على كلّ أعظم قوّة عسكرية دخلت إفريقية العربية (١٥٥ ه / ٧٧١ م).
أوج عهد الولاة : الفترة المهلّبية (١٥٥ ـ ١٧٧ ه / ٧٧١ ـ ٧٩٣ م)
لقد دامت هذه الفترة قرابة الرّبع قرن ، صادفت خمس عشرة سنة منها ولاية يزيد بن حاتم الذي طبع هذه الفترة بقوّة شخصيته. فكان عهده عهدا ذهبيا مجيدا على مستوى الحضارة الماديّة كما على مستوى الثقافة ، وأرسى أسس مستقبل إفريقية لاحقا في العصر الإسلامي. وقد أخذت السلطة السياسية مظهر السلطة الأسروية لفائدة هذا الفرع المهلّبي المنحدر من قبيصة ، لكن ليس بصفة آلية ولا بتوريث مباشر من الأب إلى الابن كما سيجري عليه الأمر في العهد الأغلبي. فالسلطة الخليفية اتّخذت حلا وسطا بين التوريث الفعلي غير المباشر وبين تدخّل الخليفة في التعيين ، واستثاقت بهذا الفرع المهلّبي الذي عرف كيف يبعث شبكة من الموالي والصّنائع للإمساك بالبلاد. لذلك فإنّ داود بن يزيد بن حاتم لم يحظ