سوى بفترة حكم قصيرة دامت تسعة أشهر بعد موت أبيه ثم تمّ تعويضه من طرف الخليفة بروح بن حاتم (١٧١ ه). وكذلك بعد موت روح ، عيّن الخليفة نصر بن حبيب رغم أنّ اختيار عرب إفريقية كان لفائدة ابنه قبيصة وأخذ نصر بزمام السلطة فورا بمعونة قائد الشرطة وأحد قوّاد الجيش وأزاح قبيصة دون لباقة. إنّما كانت هذه هي التراتيب المعمول بها من قديم أي أنّ عهد الخليفة هو الأساس ومتى ما وصل إلى شخص صار الحكم المطلق بيده وأضحى الوالي القديم عدما إن لم يتعرض للتنكيل.
لقد حكم المهلّبيون إفريقية إلى نهاية فترة الفضل بن روح (١٧٧ ه) مستندين إلى ثقة الخليفة ، إلى مكانتهم الاجتماعية ومجدهم ، إلى تأثير عائلتهم وامتداد ثروتهم. واعتمد يزيد بن حاتم ، وهو الشخصية الكبيرة من بينهم ، فوق ذلك على الجيش الذي جلبه معه والذي كان مخلصا له ومطيعا فأسكت احتجاجات ومطالب الجند الأموي القديم كما العناصر التي قدمت مع ابن الأشعث.
وهكذا كانت بنية الاستيطان بإفريقية : فهي جملة ترسّبات جيولوجية مرتبطة بتدفقات الجيوش من المشرق التي يستقرّ عدد منهم وبالتالي بالعامل الزمني. هناك توازن مختل على الدوام لكن لم تحصل أيّة ثورة عسكرية طوال مدّة يزيد. بقيت الحركة الخارجية التي لا تفتر ولا تني أبدا من تلقاء نفسها. هنا أسعف الحظ يزيدا. فمنذ ١٥٥ ـ ١٥٦ ه أخمد بنفسه حركة أبي حاتم ورجاله ، وبعث بأحد قوّاده إلى الزّاب لقمع الحركة الخارجية ، وأخيرا أطفأ ثورة طرابلسية قامت بها هوّارة. وبعد موته كان من نصيب داود أن يطفئ شعلة أخرى التهبت ، وأثبت داود جدارته في القضاء على تحرّكات الخوارج بالمغرب بصفتها انتفاضات مستديمة تمسّ بالأمن العامّ وكان هذا العمل شاقا وطويل النفس.
وحقيقة الأمر أيضا أنّ الخوارج كان يصعب عليهم مقاومة أفواج ضخمة من الرجال في مثل أهميّة الجيش الذي صاحب يزيدا كما أنهكهم طول الصراع وعدم جدواه. ومن جهة أخرى ، لقد امتصّ حدّة البربر