وهي داخلة في المذهب الإباضي ، فهي مادّة بشرية مهمّة لتأهيل المدنية التي ستصبح القصبة الكبرى للإباضية وللخوارج عامّة بل ستكوّن دولة هي دولة بني رستم ستلعب دورا كبيرا في المصير التاريخي للمغرب ولتركيز الإسلام في الجماهير المغربية المشتّتة.
وأخيرا لا بدّ من ذكر مجيء إدريس الحسني العلوي إلى المغرب الأقصى في سنة ١٧٠ ه ومبايعته من طرف البربر وهو حدث مهمّ جدا لأنه سيهيكل هذه الرقعة حول الأسرة الإدريسية وسيمنحها هويّة وشخصية وسيمدّ في حركة الأسلمة والتحضّر في أعماق البلد. ولم تكن دولة الأدارسة دولة شيعية بالمعنى المذهبي وإنّما دولة مبنية على كاريزما آل البيت وسيغدو هذا تقليدا في المغرب.
وهكذا نرى أنّ هذه الفترة التي صادفت عهد العبّاسيين الأوائل شهدت هيكلة تاريخية لبلاد المغرب ومحطات مهمّة : ترسيخ الحضور العربي في إفريقية ؛ تكوين إمارات خارجية بالمغرب الأوسط ؛ تكوين الإمارة الإدريسية بالمغرب الأقصى. ويمكن أن نضيف تأسيس الولاية الأموية بالأندلس حيث كانت من قبل الأندلس تابعة لنظر والي القيروان من الوجهة القانونية.
ولا بدّ من أن نشير إلى أنّ هذا الانبناء التاريخي السياسي ليس فقط بناء حضاريا وتنظيما لعالم لم يجد محوره ، حيث أنّ العامل السياسي يؤطّر ويعجن الوجود الإنساني الجماعي ، بل هو هيكل أيضا الفضاء المغربي وقسّمه إلى أجزائه الثلاثة : الأدنى والأوسط والأقصى. ولم يكن هذا الفضاء إلّا عبارة جغرافية بالرّغم من وحدته الإثنية. وكان من الضروري أن تصطدم هذه الوحدة بوحدة إثنية أخرى غازية ومسيطرة كي يستفيق شعور بالذات عبر المذهبية الدينية لدى الخوارج أو القوّة الكاريزمية النّبوية عند آل البيت. وحينما فشل العرب في التوحيد السياسي ـ ولم يكن هذا ممكنا ـ نجح الإسلام الصّافي في توحيد القلوب وتشتيتها في آن. وهكذا يمكن الحديث عن مغرب إسلامي في هذه الفترة