وفيما بعد وليس عن مغرب متعرّب وهذا على كلّ حال يستلزم وقتا طويلا كما في المشرق بالرّغم من كثافة الاستيطان.
لقد كانت إفريقية وحدها في سبيل التعرّب في المدن والثغور وليس في الأرياف. ولن يتمّ هذا الأمر إلّا بمجيء جحافل البدو في القرن الخامس ه / ١١ م سواء بصفة مكتملة بإفريقية أو بصفة منقوصة ـ لكن مهمّة ـ في بقيّة المغرب.
اضطرابات أواخر القرن الثاني وانتصار الإمارة الأغلبية (١٧٧ ـ ١٨٤ ه / ٧٩٣ ـ ٨٠٠ م)
الآن وقد أطرد الخوارج من إفريقية بالتّحديد وامتصّت طاقاتهم بتكوينهم لإمارات لهم ، تفاقمت الثورات العسكرية للجند العرب والخراسانيين الذين دخلوا البلد في العهد العبّاسي. وهذا سواء في ولاية آخر المهلّبيين الفضل بن روح كما في ولاية خلفائه هرثمة بن أعين ، أحد كبار القواد العبّاسيين ، ومحمد بن مقاتل العكّي.
من البديهي أنّه لا يمكن لمثل ذلك العدد الهائل من الجيش أن يبقى عاطلا على النشاط دون أن يشكل خطرا على السلطة ، خاصّة وأنه تمركز في الحاميات دون اختلاط بالسكّان المدنيين أي في حالة عزلة مشجعة على الهيجان. لقد كانت أغلبية الجيش أو قسم كبير منه مستقرّا بمدينة تونس بعيدا عن مراقبة السلطة. وأخيرا هذا الجيش لم يعدّ كالبعوث القديمة المكوّنة من أبناء القبائل العربية القادمة للاستيطان من مصر والشام ولتكوين أمصار وضمّ هذه الأرض إلى دار الإسلام ، بل صار جيشا محترفا نظاميا لا يطمح إلى الاستقرار. وتبعا لبنية الجيش وتطوّر الأمور ، فقد تشخصنت القيادة وفتحت أبواب الطّموحات لدى القادة العسكريين المهنيين تقريبا ، فتضاعفت أخطار روح الاحتجاج ، كما أن إفريقية لم تكن قادرة على تحمّل مصاريف هذا العدد الكبير من الجند.
ففي ١٧٨ ه ، ثار جند تونس على الوالي الفضل بن روح ونصّب