على رأسه ابن الجارود الذي دخل القيروان وسحق الوالي وجيشه. لقد حاول هذا عبثا اللجوء إلى المدينة بعد الهزيمة ، لكنّ قادته بالذات فتحوا الأبواب لابن الجارود تضامنا مع زميلهم. هذا يمكن تسميته بالتعصّب المهني لجسم القادة العسكريين وبضعف هالة السلطة الخليفية تبعا للبعد الفضائي. وبعد أن قتل الفضل وهو هارب في طريقه إلى طرابلس ، تولّى ابن الجارود السلطة مؤقتا ثم تراجع عن ذلك ليثبت أنه ثار في سبيل حقوق الجند وليس طمعا في الحكم ، فبعث به الوالي الجديد إلى بغداد (١٧٩ ه).
الواقع أنّ جند تونس كان أقوى من جيش الوالي المخلص له. وهذا ما برهنت عليه ثورة ثانية في ١٨٣ ه ضدّ الوالي العكّي الذي أساء السيرة وخفّض في الأعطيات ، لأن المشكلة هي كما قلنا مشكلة مالية. وتمّت الغلبة مرة أخرى للثوار ودخلوا مرّة أخرى القيروان تحت قيادة تمّام بن تميم. هنا يتدخّل إبراهيم بن الأغلب قائد جيش الزّاب ، ذلك القطب الآخر الحدودي العسكري ، وهو عسكري مهني اختار أن يلعب لعبة الشرعية في سبيل إيجاد حلّ وسط بين استقلالية الولاية والارتباط بالخلافة. ومن الواضح أنه لا يمكن له أن يدخل في لعبة الانتفاضة والمنافسة بين القوّاد لأنها لا تنتهي. فتدخل إبراهيم لصالح الوالي العكّي المقهور وانتصر على الثورة فخلّص بذلك إفريقية من صراعات القوّاد واستعاد لفائدته هالة وظيفة الوالي / الأمير اعتمادا على القوّة وعلى الشرعية الخليفية معا. وكان من الواضح للمعاصرين أنّ اتجاه ابن الأغلب إلى دعم النظام القائم ـ هنا الوالي ومن وراءه ـ يعني في الحقيقة العكس أي تكوين إمارة شبه مستقلّة.
وهكذا نصّبه هارون الرّشيد على رأس البلد وفوّض له في الأمر وهذا ما سيجري في مصر مع ابن طولون وفي خراسان مع طاهر بن الحسين ، لكنّ إفريقية كانت سبّاقة في هذا الشأن بسبب بعدها واضطراباتها المزمنة منذ ستين سنة ، وبسبب تكوين إمارة علوية في