غوتيي Gautier افترض حصول انهيار الحضارة الفلاحية والحضرية التي كانت مزدهرة نسبيا في عهد روما ، غير أن تفحّص المصادر العربية التي وقع اكتشافها حديثا ، وخاصّة تاريخ ابن الرّقيق ، أظهر بوضوح استمرار مثل هذه الحضارة. ومع ذلك ، من المؤكّد من ناحية أخرى أن نوميديا ظهرت لنا كبلاد «للقبائل البربرية الكبرى المتجمّعة حول أمراء أقوياء». من دون شكّ تجانب نمطا الانتظام مع نوع من التفوّق للتجمّعات القبليّة ، ويمكن حتّى أن نتصوّر وجود تداخل عميق بين تركيبتين اقتصاديتين وسياسيتين واجتماعيتين تأكّدتا خاصة بعدد من أشكال الحماية التي منحتها القبائل للمدن. كل هذا يتفق مع خاصية التجمّع بين البربر والبيزنطيّين التي مثلتها مقاومة جبال الأوراس في بداياتها. مع التأييد القائم للقوى البيزنطية فيما بعد ، والتفوّق الصريح في آن واحد للعنصر البربري طيلة المقاومة. وبأكثر دقّة كذلك ، وفي وسط هذا العنصر الأخير ، لاحظنا انبثاق حركتين دون انقطاع : حركة في غرب جبال الأوراس أوجدها البرانس وهم قبائل مستقرّة ومتمسّحة ، وحركة في شرق الأوراس طوّرها البتر ، وهم عبارة عن تشكلات قبليّة من الرحّل وأشباه الرحّل. تنطلق المقاومة بالفعل ، ودائما من نواة مركزية مهيمنة ـ أوربة وجراوة ـ لتدمج بعد ذلك في محورها عددا كبيرا من القبائل البربرية ؛ فكان هنا الوجه القادر على تدريب الناس وشحن العزائم وتجميع العناصر المتباينة.
كان هذا النّوع الأوّل من المقاومة الذي تعرّض له عقبة بن نافع عند جولته التي قادته سنة ٦٣ ه ، إلى قلب المغرب الأوسط وربّما إلى حدود سواحل المحيط الأطلسي. انتهت هذه المرحلة المشهورة ذات الأسلوب اللاهث والمتوقّد باستشهاده ، ومع ذلك ، بقيت مقاربتها صعبة بالنسبة للمؤرّخ خاصة وأنّها كانت موضوع إضافات أسطورية.
وجهت أعمال عقبة الأولى عند عودته ضدّ سلفه أبي المهاجر ، إذ عاد المقاتلة العرب إلى القيروان المدينة القديمة المهجورة ، ووضع أبو