بين يديه قيادة المقاومة ليهدّد بجدية التدخل العربي ، ولكن لم يستطع لا كسيلة ولا الكاهنة الشهيرة أن يجسّدا أي شيء ، ولم يعرفا بالرّغم من انتصاراتهما الساحقة كيف يتجنّبان الكارثة النهائية. للبحث عن أسباب هذه الهزيمة ، وعن نجاح العرب ، تمسّكنا عبر هذه الدراسة بالتحرّكات العسكرية.
الاستراحة البربرية وتصدّع قوّة البرانس (٦٣ ـ ٧٨ ه)
إنّ أوّل ما نتج عن كارثة تهودا هو طرد العرب من القيروان. من المؤكّد أنّ المصادر العربية وهي تحدّثنا عن نزاع قاتل بين حنش الصنعاني وزهير بن قيس ـ أحدهما مناصر للانسحاب والآخر لمقاومة الثورة ـ تريد أن تنبئنا في نفس الوقت أن اضطراب الفاتحين يعود إلى وجود توجّه إلى الحرب المفرطة والمحافظة على العمل العربي مهما كان الأمر. لكن سنة ٦٣ ه كانت سنة قيام الزبيريين ممّا سيقسّم الإمبراطورية إلى قسمين وهو ما سيجعل التوسع يتراجع. أخذ العرب ينسحبون نحو المشرق ، ولكن ليس دون ترك عديد العناصر الإسلامية في القيروان ، بعض العرب ربما ، وخاصة ومن دون شك ، معتنقين جدد للدّين الإسلامي من البربر.
استفاد كسيلة من هذا الانصراف السريع ، وتوجّه إلى القيروان حيث أعطى ـ كما قيل ـ الأمان للمسلمين الموجودين فيها آملا في استمالتهم إلى قضيّته أو على الأقلّ تحييدهم. فهل كان يطمح إلى تأسيس دولة بربرية وهل يمكن الاعتماد في ذلك على هذه الجملة الواردة في البيان : «استقرّ في القيروان كأمير على كل إفريقية والمغرب»؟
من المحتمل أن يكون انتصار كسيلة على عقبة ، قد ساوى بالنسبة إليه التعاطف إن لم تقل الفرح الفعّال من جماهير البربر. ولقد نجح ، من دون شك ، أيضا في تجميع الأهالي ذوي الانتماءات المختلفة في كنفدرالية قبليّة واسعة مع التركيز في الجوهر على قبيلته الأصليّة ـ أوربة ـ ولكن ظلّ تحرّك كسيلة في الجملة مبهما ، فهو قائد بربري سانده البيزنطيّون وربّما حموه ، وما يظهر ذلك هو استقراره في القيروان