ويطرح مشكل آخر أيضا ، يتعلّق بالموقف البيزنطي إزاء كسيلة في الوقت الذي كان فيه مهدّدا. يبدو بوضوح أنّ هذا الموقف كان غامضا ، فالبيزنطيّون لم يجلبوا له إلّا مساعدة متحفّظة ، وعلى كل فهي غير كافية لتجنّبه الكارثة. وهذا ما يفسّر أن الأخبار تجمع بين الروم والبربر وتضعهم جنبا إلى جنب في هزيمة ممّس ؛ ولكن نفس هذه الهزيمة التي دمّرت نظام البرانس كليّا لم تؤثّر تقريبا مطلقا في المواقع البيزنطية. بل على العكس من ذلك ، ستشهد السنوات التي تلت تنحّي كسيلة ، تجديد النشاط البيزنطي. ففي سنة ٧١ ه أبحر أسطول إغريقي في برقة ، وحمل المسلمين الموجودين فيها على الاسترقاق ، وعند ما قدم زهير لنجدتهم بعد أن غادر إفريقية ، حاول المقاومة فقتل. وبعد أن انتقم العرب لموت عقبة ، لم يبقوا فعلا في إفريقية. وقد حاولت المصادر عبثا أن تقدّم لنا أنّ زهيرا «أخذه زهد ديني مفاجئ عن أمور الدنيا» ، وحسب عبارة شارل ديل Ch.Diehl ، لا يسعنا مسايرة هذا التفسير الساذج.
أيتوجّب إذن أن نعزو إلى قوّة التهديد البيزنطي ، الانسحاب غير المنتظر لزهير بعد انتصاره على البرانس؟ لا يبدو ذلك لأن البيزنطيين ليست لهم الإمكانيات لجعل العرب يتراجعون ، وبالفعل لم يبادروا إلّا بعد انصرافهم.
من جديد ، يجب أن نقدّم تفسيرا داخليا ، فحوالى ٧١ ه ، استعدّ الخليفة عبد الملك بن مروان لمواجهة عسكرية مع مصعب بن الزبير ، غير أنه تردّد في اختيار الوقت ، فقد وضع مخطّط الانطلاق في اتجاه العراق ، ثم أقلع عن ذلك لأنه كان غير واثق في قوّاته ؛ فهو بوضوح لا يستطيع أن يجيز ترك جيش عدّته عدّة آلاف من الرجال في وقت شديد الحرج. فوقع استدعاء زهير إذن إلى برقة مع فيلقه في حدود ٧٠ أو ٧١ ه ، وكان معظم الجند قد سبقه إلى مصر ومن هناك إلى سوريا. هكذا وبعد أن تجرّدت مدينة برقة من جند المسلمين ، فوجئت باليونانيين الذين شنّوا غارة سنة ٧١ ه ، التي استشهد خلالها زهير.