الغموض ، مما جعل بعض المؤرخين يشكّكون بكل بساطة في حقيقتها. ويجب مع ذلك أن يكون كسيلة في وقت أو في آخر ، قد وضع خارج المعركة إذ لم يذكر اسمه إلّا فيما بعد ، كأنّ المشكل كان قد تبدّد وحركته وقع تصفيتها.
توجّه زهير إذن سنة ٦٩ ه إلى القيروان ، ولكن أمام تقدّمه تحوّل كسيلة نحو الغرب ليتحصّن في موضع ممّس (الماما البيزنطية؟) ، التي تقع على بعد ٥٠ كلم من القيروان و ٣٠ كلم من سبيطلة ، خشية من انتفاض البربر الموالين للشق العربي ، الذين كان عددهم كثيرا في القيروان. ومهما يكن الأمر ، فإن كسيلة اختار الارتفاع عن الموضع المنبسط والمفتوح للمدينة العربية ، الذي كان واضحا أنه غير ملائم للدفاع ، خاصة وأنه كان يترقّب إمكانية الهزيمة ، ففكّر أنه يمكنه حينئذ الانسحاب إلى المرتفعات والغابات في الغرب.
لقد عسكر العرب ثلاثة أيام أمام القيروان دون أن يدخلوها ، ثم تحولوا إلى ممّس ، وتقدّموا إلى المعركة ، فكان نجاحهم مطلقا ، إذ قتل كسيلة. وفرت البرانس من المذبحة وخاصة قبيلة أوربة التي تقهقرت إلى جبال الأوراس وما وراءها في اتجاه الغرب. وبنفس الضربة ، انهارت كليا الكنفيدرالية القوية التي تجمّعت حول القائد البربري.
إن العناصر التي تدخل في اللعبة لتفسير هذه الهزيمة العسكرية والسياسية هي نفسها التي استوفيناها سابقا لتفسير هشاشة تنظيم كسيلة.
لم تتأخر حركة كسيلة التي كانت قوية نوعا ما في بدايتها عن تلقي الضربات المعاكسة من الانقسامات البربرية ، فلم يتحرّك بتر جبال الأوراس لمساندة كسيلة ، بينما اعتنق بتر الجنوب دين العرب. فضلا عن ذلك ، من المؤكّد أن رجوع العرب إلى الهجوم كان قد ضاعف من النّقائص في صلب جيشه ؛ إذ كيف نفسّر بوجه آخر ، هزيمة ممّس النّكراء ، والحال أنه قبل ذلك بستّ سنوات كان على الجيش العربي أن يبحث على النجاة في شكل هروب مضطرب أمام الحشود البربرية.