بذلك أكّد أمير مصر حقوقه في غنائم إفريقية. غير أن هذه الحادثة تبرز في ذات الوقت كيف بدأ الاحتجاج على هذه الحقوق وكيف صار والي إفريقية يتوجّه أكثر فأكثر إلى دمشق. وفعلا وضعت صراعات أخرى والي الفسطاط وجها لوجه مع والي القيروان. فقد اعترض حسّان بصفة خاصة على قطع عبد العزيز إقليم إنطابلس (البنتبول قديما) عن ولاية إفريقية. غير أن هذا الأخير هو الذي سيظفر بالقضية وينجح في فرض آرائه بما فيها تبعية إنطابلس فتمّ عزل حسّان (١) ليلتحق بالمشرق ويحلّ محله موسى بن نصير على رأس المغرب (٢) ، وموسى لا يعدو أن يكون سوى أحد موالي حاكم مصر. ولعلّ هذه الظروف تفسّر الاحتجاجات
__________________
العذاري ، البيان ، م. س ، ص ٣٩ ، لا يجد منفذا لمصادر أخرى فيؤكد على شروط الوالي لكنه يبالغ في الافتراء. فمسألة جرار الماء لا يمكن أن تكون سوى رمزية ، لكنها ذات دلالة قوية. فعندما نحذف ما في روايته من حشو لما للحدّ الأسطوري من وزن ليشكّك في مضامينها ، يمكن عندها أن نكشف ما فيها من عمق حقيقي.
(١) ابن عبد الحكم ، فتوح ، م. س ، ص ٢٧٤ ، يقدّم حسان وهو ينسحب برغبته مستجيبا لقرار الخليفة مع نزعة فيها تعظيم لحسّان ؛ الكندي ، ولاة مصر ، م. س ، أكثر تأكيدا على الأحداث : جاء حسّان بعهد الخليفة ثم قام عبد العزيز بإقالته في ٧٨ ه. يرتب هذه التنحية مباشرة بعد التعيين ، دون أن يترك الوقت لحسان لينتقل إلى إفريقية : وفي هذا خلط بين حادثتين متتاليتين في الزمن لا يمسّ حقيقة المعلومة في شيء فيما يتعلّق بعزل عبد العزيز لحسّان. ونحن نعلم خارج هذا السياق أن عبد الملك هو بنفسه الذي كلّف حسّان بالحملة على إفريقية.
ابن عساكر ، التاريخ ، م. س ، ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، يذكر أبيات تناقض رواية العزل.
(٢) يمكن أن يكون في ٨٤ ه ؛ ابن عبد الحكم ، م. س ، ص ٢٧٤. عند توليته كان موسى فعلا مولى لقبيلة لخم : البلاذري ، فتوح ، م. س ، ص ٢٤٨ ، لكنه نقل ولاءه لشخص عبد العزيز الذي أنقذه من براثن الخليفة حتى لا يحصل إتلاف كالذي كان هو السبب فيه في العراق. في المقابل حافظ موسى على انتسابه اللّخمي ، انظر ابن العذاري ، البيان ، م. س ، ص ٤٠. هناك شخصية أخرى وهو الشاعر نصيب الذي قام كذلك بنقل ولائه لصالح عبد العزيز أيضا : أبو الفرج الأصفهاني ، كتاب الأغاني ، القاهرة الطبعة الأولى ، ص ٣٠٢ وما بعدها ؛ بالنسبة للكاتب المجهول في الأخبار المجموعة ، نشره لافوانت إي كنترا ، مدريد ١٨٦٧ ، ص ٣٠ ، قد يكون نصير أعتق من طرف عبد العزيز. وهو الوحيد الذي يقدم هذا المعطى. هناك سعي لتفسير رجعي لتعلّق موسى بمصير عبد العزيز بن مروان.