ولم تدم العلاقات مع مصر أكثر من ذلك بل أضحت أقلّ ارتباطا من قبل. في المقابل نلاحظ فحسب تواصلا كثيفا بين الطرفين في مستوى الأطر الإدارية أو بين عناصر العائلات الحاكمة الأصيلة.
فقد لعب أحفاد معاوية بن حديج خلال القرن الثامن ميلادي دورا مهما في مصر فاحتلوا في مناسبات عديدة وظائف رسمية (١). وتكون الصورة أكثر دلالة مع أحفاد عقبة وابن نصير ، ذلك أن هاتين العائلتين عاشتا بشكل مواز في مصر والمغرب ، وقد كان لهما هنا وهناك وزنهما في الشؤون العامة. فقد احتكرت سلالة عقبة في إفريقية قيادة الجيش (٢) ، على غرار حبيب بن عبدة (أو عبيدة) بن عقبة بن نافع وخالد بن أبي حبيب ، ونجحوا في تأسيس سلطة مع عبد الرحمان بن حبيب ، والمساهمة في بعث سلطة أخرى في إسبانيا مع يوسف الفهري. أمّا الفرع المصري لهذه العائلة فيبرز ربّما بصفة أقلّ بريقا في عديد الوظائف المدنية والعسكرية العليا (٣). ومن جهتهم فإن النصيريين رغم الاضطهاد الذي تعرضوا له بداية من ٩٦ ه قد شكّلوا مجموعة مؤثرة في إفريقية ، كما تمّت تسمية البعض منهم ولاة في مصر (٤) : ففي ١٣٢ ه عيّن عبد الملك بن معاوية بن موسى واليا على مصر ، وفي ١٤٤ ه ارتقى
__________________
لنفس الوالي ولايتين في نفس الوقت. لكن هذه حالات تهمّ ظروفا استثنائية فقد كان الهدف منها إركاع إفريقية للطاعة العباسية. وقد تمّ فعلا تجميع جيش بالفسطاط ، غير أن المنصور تقلّد السلطة في ١٣٧ ه ووضع حدّا لهذه الاستعدادات : الكندي ، ولاة ، م. س ، ص ١٢٣ ـ ١٢٤. وهو ما يمكن تفسيره بيسر بقيام ابن حبيب بتقديم البيعة للخليفة الجديد : البيان ، م. س ، ص ٦٧. لكن بعد وقت وجيز خطر له خلع الطاعة عن السيادة العباسية وإعلان الاستقلال ، فتم اغتياله (١٣٧ ه). والواقع أن عبد الرحمان كان يتمتّع باستقلال حقيقي طيلة فترة" حكمه" (١٢٧ ـ ١٣٧). بنفس النمط ، كانت سنوات حكم الخوارج (١٤٠ ـ ١٤٢) يمكن اعتبارها في نفس السياق.
(١) الكندي ، ولاة ، م. س ، ص ٧٩ ، ٨١ ، ١٣٣.
(٢) البيان ، م. س ، ص ٥١.
(٣) ابن عبد الحكم ، فتوح ، م. س ، ص ١٣٥ ـ ١٥٦ ؛ الكندي ، ولاة ، م. س ، ص ١٠٢.
(٤) ولاة ، م. س ، ص ١١٦.