الصعيد المغربي ليحصل منه على مكافأة في نواح أخرى خاصة وأنه تخلّى على ما يبدو عن كلّ حلول اعتماد القوة. لكن في المقابل ، فإن انتباه عبد العزيز لمجادلته حقوقه في الخلافة واستبعاده من العرش كان دافعا له لتصليب مواقفه وتأكيد سلطته على مصر.
كلّ هذا يفسّر جيدا أن موت عبد العزيز كان علامة انقطاع بين الولايتين. لكن هذا التفسير يبقى غير كاف إذا لم نحتط بكلّ تأكيد من أن كلّ وال على إفريقية كان يحبّذ الرقابة عن بعد من قبل الخلافة بدل والي مصر القريب من إفريقية.
ورغم أنه تمّ تغيير عبد العزيز بابن عبد الملك بالذات عبد الله (١) ، فإن موسى لم يتردد لحظة واحدة لإرسال الهدايا والرسائل الرسمية مباشرة للخليفة ، ممّا أثار غضب الوالي عبد الله واحتجاجاته (٢). هذه الحادثة الأساسية التي يتعيّن الاحتفاظ بتاريخها (٨٦ / ٧٠٥) تنطوي ضمنيا على استقلال إفريقية عن مصر. فمن ٨٦ إلى ١٨٤ / ٧٠٥ ـ ٨٠٠ ، بدأت الولاية تنظّم شؤونها وتتمتّع بهياكل إدارية ، ثم أتت فيما بعد فترة أخرى شرعت فيها السلطة الأغلبية في إقامة سلطة محلية حقيقية ، فعرفت إفريقية بين الحدثين وضعا قانونيا مكتملا بكلّ استحقاق إذا جاز التعبير ، لكنّه مرتبط مباشرة بالخلافة (٣).
__________________
(١) الكندي ، م. س ، ص ٧٩.
(٢) م. ن ، ص ٨١ ـ ٨٢. ويبدو لنا هذا المصدر حقيقا بالأخذ بما فيه لوضوحه. فقد تمكّنا من التعرف أخيرا على نصّ ابن الرقيق ، التاريخ ، في شكل" ميكرو فيلم" استعرناه من الأستاذ شبّوح. ففي الفصل الثامن يبدو الكاتب محافظا على ذكرى القطيعة في أيام عبد العزيز ، غير أن عبد العزيز هذا بالذات يكون قد مات بعد عبد الملك وهو أمر غير صحيح.
(٣) عرفت إفريقية بين ١٣٢ و ١٣٧ ه ، استقلالا حقيقيا باستحقاق. ففي ١٢٧ ه ، استحوذ عبد الرحمان بن حبيب بالقوة على الولاية ولكن تمّ تثبيته في ١٢٩ ه. من طرف مروان بن محمد : البيان ، م. س ، ص ٦٠ ، ومع أنّ موت هذا الأخير في ١٣٢ ه أعفى ابن حبيب من كل بيعة فقد امتنع عن الاعتراف بالسلطة العباسية الجديدة. كذلك في ١٣٦ ه عيّن أبو العباس الخليفة العباسي صالح بن علي واليا على مصر وفلسطين وإفريقية. فأحيت هذه التسمية تقاليد قديمة كانت قد انقرضت. ففي ٨٦ ه كانت تجمع