يمكن ملاحظة عودة مباشرة للمصادر المحلية في التوبونيميا الجهوية ، لكن هناك كذلك تسميات جديدة تعبّر عن قطيعة وتتجلى في بروز ألفاظ عربية أو تعبيرات جغرافية مجلوبة من المشرق. فمهما كانت رابطة الهوية بين مضمون مفاهيم المغرب والموريطانيات ، فالحقيقة إلى حدّ ما أن هذه الألفاظ لا تستطيع أن تصل إلّا بالصدفة ، فاللفظ الأوّل له منحى جغرافي والثاني يشير لمفهوم إداري قاعدته عرقية. فمع العرب نجد خاصة كلمة سوس ، قريبا كان أم بعيدا ، فعوّض لفظ موريطانيا. كذلك انقرضت تسمية بيزاسان ولم تترك سوى هيكل بمعنى تركت عبارة جديدة أصولها عربية محضة ، فعوضتها بصفة تدريجية كلمة ساحل وهي تشير إلى الشريط الساحلي للمقاطعة القديمة (١). نذكر أيضا تسمية جديدة وهي جزيرة شريك (شبه جزيرة الوطن القبلي حاليا) ، إذ أتت تسمية المكان نسبة لشريك العبسي الذي قد يكون بطل فتح هذه المنطقة. وتتمثل الظاهرة الأكثر دلالة في التخلّي الكلّي عن اسم نوميديا الذي حل محله لفظ الزاب. فهذه التسمية الأخيرة ذات الجذور البابلية أو الفارسية المعرّبة استخدمت لتعني نهر الزّاب في وادي الرافدين ، ثم استعملت في أرض المغرب لتدلّ على وادي أوراس الأعلى وما جاوره ، ويشير إذا بصفة أساسية لنوميديا الجنوبية (٢) ، ثم استخدم ليعني كامل المقاطعة القديمة.
تغطّي هذه التحوّلات التوبونيمية خطوطا جديدة لحقيقة تعبّر عنها بالضرورة. ففي هذه التحوّلات لعبت نوائب الغزو دورا في فرض نظرة معيّنة لدى الغزاة. لذلك فإنّ الشريط الشرقي ـ الأوراسي الذي انتصب كحاجز مقاومة رهيب ، برز حينا كقسم من الإقليم وحينا آخر كأنه الإقليم كلّه ، غير أن مفهوم نوميديا لم يعد من الممكن أن يكون سوى إحياء
__________________
(١) ليفيسكي (ت) ، «وثيقة إباضية غير محققة لنفوسة الغرب بالساحل التونسي في القرن الثامن والتاسع» ، مجلة فوليا أريونتالا ، ج ١ ، القسم الثاني ، ١٩٥٥ ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤ ؛ ابن الرقيق القيرواني ، تاريخ ، تونس ١٩٦٦ ، القسم ٢٦ ، يتحدّث عن عرب الساحل.
(٢) ياقوت الحموي ، معجم ، م. س ، ج ٣ ، ص ١٢٣ ، ١٢٤.