والوالي هو فعلا الماسك بالسيادة العمومية بكلّ أشكالها. فعندما بلغت إفريقية البيزنطية نهايتها ، ظهر فيها صراع بين القائد العسكري ونائب المقاطعة المدني (١) ، في حين نجد أن مصر الإسلامية (٢) قد عرفت بدورها في الغالب إلى جانب هذا وذاك والي الحرب أو الصلاة ووالي الخراج مع رفعة واضحة جدا للسلطة العسكرية على حساب السلطة المدنية ، غير أن هذه الثنائية لم تتشكّل في أي وقت من الأوقات في إفريقية. لذلك فإن ما ذكره المالكي (٣) حول التعيين ، في الفترة البطولية لحنش الصنعاني على الصدقات والزكاة لا يعني أنه كان والي خراج مستقل. كذلك فإن إشارة ابن عبد الحكم تدقّق للمرة الأولى الصلاحيات المالية لوالي إفريقية ، وهو ما لا يجب اعتباره مرجعية لتصحيح خطأ أو استثناء بل على العكس من ذلك يتعيّن اعتماده كتذكير أهمل فيما سبق للصلاحيات العادية للوالي (٤). فيقول ابن عبد الحكم أن «محمد بن يزيد تولى على حرب إفريقية وخراجها وصدقاتها».
فللوالي قبل كل شيء مسؤولية عسكرية. ولا شك أنه يفوّض في هذا الميدان بالذات سلطاته لقوّاد ينتدبهم من الأرستقراطية المحلية من الأمويين أو من القادمين مع الجند في الفترة العباسية (٥). لكن يكون قائد
__________________
(١) ديل ، إفريقية البيزنطية ، م. س ، ص ص ٤٨٥ ـ ٤٨٧.
(٢) الكندي ، ولاة ، م. س ، ص ص ٨٧ ـ ٨٩ ـ ٩٤ ـ ٩٥ وما بعدها.
(٣) رياض النفوس ، ص ٣٨ ؛ هوبكنز ، الحكم الإسلامي في بلاد البربر في الفترة القديمةEarly Muslim Government in Barbary ,p.٢٩ ، م. س ؛ أبو العرب التميمي ، طبقات ، ص ٢٦ ، يذكر حالة يحيى بن سعيد «عامل عمر بن عبد العزيز في الصدقة فحسب» ، لكن على مدينة ومقاطعة تونس وليس على كامل الولاية. وبادئ ذي بدء يبدو مفاجئا أن الخليفة يسمي مباشرة أعوانا محليين ، لكن عمر كان بصفة خاصة يتدخل في شؤون المقاطعات. وبكل صفة ، فهذه ليست سوى استثناءات لا يمكن لها أن تضع قناعاتنا محل سؤال ، خاصة فيما يتعلق بوالي الخراج ذي السلطات الكبرى.
(٤) فتوح مصر ، م. س ، ص ٢٨٧.
(٥) نجهل كل شيء عن طريقة التعيين في القيادة العليا : القوّاد ، أمراء الأخماس أو الأسباع ، أصحاب الرايات. من الممكن أنها كانت تعود للوالي الذي كان عليه أن يختار ضمن دائرة ضيّقة. انظر حول هذا الموضوع : البيان ، م. س ، ص ٥٣ ، ٧٩. بالنسبة للعرفاء لا