لم يبق شيء سوى الأسس القوية (١) للقصر البدائي ، لكن ما يمكن أن نؤكده من خلال معاينة هذه البقايا التحت ـ أرضية التي لم يقع الكشف عنها جيدا والتي يمكن أن تكون بناية مهابة أنها كانت في المشرق محصّنة (٢). فعلاوة على وظيفة الإقامة للحاكم والمقربين له وحرسه فإن القصر هو مركز الحكومة والإدارة.
تتمّ تسمية الوالي بواسطة" عهد الخليفة" (٣) المدوّن على سجل أو دفتر معترف به فيقدّمه المعنيّ بالأمر عند وصوله إلى القيروان إذا أقبل من الشرق ، أو يصله بواسطة البريد إذا كان مقيما بإفريقية ، وبمجرّد إلقاء نظرة على السجل يحيى بلقب أمير. في بعض الحالات يصل الأمير بصفة مفاجئة ، خاصة إذا كان الوالي الجديد ينوي متابعة تجاوزات مالية لسابقه (٤). وزيادة عن انتفاضة الفهريين أخذت سلطة الولاية طابعا عائليا كالحال مع المهلبيين (١٥١ ـ ١٧٨ ه) ، لكن دون الحصول على السلطة بصفة آلية ولا بإرث مباشر. من ذلك على سبيل البيان إذا كانت سلطة الخلافة محمولة بالضرورة على الإبقاء على الفرع المهلبي المنحدر من قبيصة في إفريقية خلال مدّة الاضطرابات ، فلا يتنازل الخليفة في سائر الأوقات عن حقّه في تسمية الشخصية التي يختارها بنفسه. بهذا الشكل لم يستطع داود بن يزيد بن حاتم البقاء في السلطة بعد موت أبيه وتمّ تعويضه بروح بن حاتم (٥) إلى حدّ أنه بعد اختفاء هذا الأخير كان ولاء أهالي إفريقية قد تحوّل لابنه قبيصة ، لكن الخليفة أمر بتعيين نصر بن حبيب (٦).
__________________
(١) قمنا بزيارة المواقع الأثرية صحبة السيد عثمان جراد.
(٢) نعلم أن قصر الإمارة بالكوفة كان محصّنا. من ذلك خاصة أنه بعد حروراء قام المختار ببناء سور من جهة مصعب بن الزبير في ٦٧ ه ، تاريخ الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٣) انظر مثلا بالنسبة لحسّان بن النعمان : الكندي ، ولاة ، ص ٧٤.
(٤) كالحال مع عبيد بن عبد الرحمان السليمي ، البيان ، م. س ، ص ٥٠ ، الذي ينقل عن ابن الرقيق ، التاريخ ، مخطوط الرباط الورقة ١٩.
(٥) البيان ، ص ٨٢.
(٦) م. ن. ص ٨٥.