كتبها ورّاقوهم المعروفون ، أو تلاميذهم المبرّزون ، وقرءوها عليهم ؛ وقد اجتمع للبكرىّ من الكتب ذوات الخطوط المنسوبة ، والأصول المضبوطة ، شىء كثير ، من كتب أبى على القالى التى دخل بها الأندلس ، ومؤلفاته التى عليها خطه أو سماع تلاميذه ؛ ومن كتب غيره من العلماء ، كالأصمعىّ ، رواية ابن أخيه عبد الرحمن ، أو أبى حاتم السجستانىّ ؛ ومن كتب أبى عبيد ، وابن دريد ، ونفطويه ، وابن السّكّيت ، والسّكونىّ والهمدانىّ ، والأحول والأثرم ، وغير هؤلاء من الأعلام الذين لا يوجد فى أيدينا من كتبهم الآن إلا النّزر اليسير.
وكان يعتمد فى الحديث على روايات الكتب الصّحاح ، وخاصة الموطّأ ، والبخارىّ ، وسنن أبى داود ؛ وينقل كثيرا من الأحاديث عن ابن وهب وابن القاسم من شيوخ المالكية.
وينقل عن ابن إسحاق صاحب السّيرة ، وعن أبى جعفر الطّبرى. ويصحح ما وقع فى كتب أولئك وهؤلاء من تحريف فى أعلام البلدان ، ويخرج من المغمعة منصورا فى أكثر الأحيان.
ومعجم البكرى قليل الحشو والفضول : ذلك أنه لم يكن مما يعنيه أن يذهب مذهب ياقوت ، فى قياس طول البلد وعرضه ودرجة حرارته ، وذكر مياهه ونباته وحيوانه ومشاهده وآثاره وأسواقه ، فإن كل هذا مما يتناوله البحث الجغرافى الخالص ؛ أما البكرىّ فقد حدّد غرضه فى مقدمته بأنه لغوىّ بحت ، يقوم على الضبط وتصحيح الأسماء أولا ، لا على جمع الأخبار ، ولذلك قلّ تعرّضه لكثير مما يتعرض له الجغرافىّ المتخصّص ؛ ولم يكن كذلك مما يعنيه أن يذكر العلماء الذين خرجوا من كل بلد ، مما أطال فيه ياقوت وأسهب ، وهو إن لم يخل من فائدة إلى الحشو أقرب ، لأن لمعرفة الرجال كتبا خاصة ، وقد عابه بذلك صاحب كتاب «مراصد الاطلاع ، على أسماء الأمكنة والبقاع» ، الذي اختصر معجم البلدان ، بعد حذف فضوله وحشوه ، فى نحو ثلث صحائفه.
وليس فى معجم البكرىّ ما يعاب به عند المشارقة ، سوى ترتيبه بترتيب حروف الهجاء عند المعاربة على هذا النحو : ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ه وى ولكن مما يعاب به عند جميع الناس أنه جعل ترتيب الكلمات فى كل باب على ترتيب الحرفين الأول والثانى الأصليين من الكلمة ، دون نظر إلى ترتيب ما بعدهما من