الحروف. وإذا كان الحرف الثانى ألفا زائدة كألف صاحب وفاضل ، أهمله ولم ينظر إليه ، واعتبر الحرف الثانى ما بعد الألف ، وفى هذا ما فيه من العسر والتكلف. ولذلك يضطر الباحث عن كلمة فى حرف من الحروف أن يقلّب صفحات المعجم فى هذا الحرف ، حتى يعثر على ضالّته بالمصادفة ، لا بأن يطلبها فى موضعها الذي ينبغى أن تستقر فيه ، بحسب نظام الفهرسة الدقيقة لألفاظ المعاجم.
ولذلك كان من عملى فى هذا المعجم أن غيّرت وضع مادته ، ورتبتها على حسب ترتيب حروف الهجاء فى المشرق ، وعلى ما يقتضيه نظام الفهرسة الصحيح ، وذلك بترتيب حروفها بحسب صورتها ، لا بحسب جوهرها ومادتها ، فليس مما يعنى الباحث أن يكون الحرف أصليا أو زائدا ، وإنما يعنيه أن يكون موضع الكلمة التى فيها حرف الألف قبل موضع الكلمة التى فيها حرف الباء ، وهذه قبل التى فيها حرف التاء ، فى أى مكان وقع الحرف من الكلمة. كما يعنيه هذا الترتيب نفسه فى الأحرف التى بعد الحرفين الأوّلين ، وبهذا تأخذ الكلمات أوضاعا طبيعية مسلسلة ، تهتدى فيها العين إلى موضع البحث من المعجم بسرعة ، وبالنظرة العجلى والخاطفة ، دون كد الذهن فى قواعد الأصالة والزيادة ، أو الاعتماد على الفهارس والملاحق وما إليها ، فإن ذلك مما يصرف النفس عن الاستفادة من الكتاب إلى غيره مما هو أسهل منه وضعا. وكم رأيت من فضلاء الباحثين من يصرفه تعقيد كتاب القاموس المحيط للفيروزابادىّ ، عن الاستفادة من جواهره ولآلئه.
وعلى الرغم من هذا تلقى العلماء المسلمون قديما وحديثا معجم البكرىّ بالقبول ووثّفوا صاحبه ، ورفعوه مكانا عليّا ، فوق اللغويين وأصحاب المعاجم ، واعتمدوا عليه فى تحقيق المشكلات ، خصوصا علماء المغاربة والأندلسيين ، من المحدّثين والأخباريّين ، ومن أشهرهم القاضى عياض (٤٧٦ ـ ٥٤٤) فى مشارق الأنوار ، والسّهيلى (٥٠٨ ـ ٥٨١ ه) فى الرّوض الأنف ، فقد نقلا عنه كثيرا فى كتابيهما. أما أصحاب المعاجم اللغوية ، فمعجم البكرىّ كان عندهم أعظم أصولهم ، فى تحقيق أعلام البلدان العربية وضبطها ، وأكثر من انتفع به منهم الفيروزابادىّ (٧٢٩ ـ ٨١٧ ه) صاحب القاموس ، والزّبيدى (١١٤٥ ـ ١٢٠٥ ه) صاحب تاج العروس ، وشيخه محمد بن الطّيب الفاسى (١١١٠ ـ ١١٧٠ ه) صاحب الحاشية على القاموس ، وكثير غير هؤلاء.