ومهما ذكرت المعاجم اللغوية من أسماء المواضع ، فقد بقى فى معجم البكرىّ بعد ذلك كثير من أعلام الأمكنة ، لم تحوه معاجم اللغة ، مع أنه من صميم المادة العربية ؛ ولذلك كان الكتاب ولا يزال مرجعا مستقلّا يقدره العلماء الباحثون حق قدره.
والعلماء المستشرقون من الغربيين ليسوا أقل تقديرا لهذا المعجم من المشارقة ، فقد أبان العلّامة دوزى الهولندىّ عن منزلة معجم البكرىّ فى كتابه : مباحث فى التاريخ السياسى والأدبى لأسبانيا فى العصور الوسطى (الجزء الأول ، الطبعة الأولى بليدن سنة ١٨٤٩ ص ٣٠٤ ، ٣٠٥) إذ يقول ما ملخصه :
«إن المعجم فريد فى بابه ، فليس لدينا كتاب يمكن أن يوازن به من ناحية السّعة ، أو من ناحية دقة التفاصيل ، فهو يحتوى على عدد ضخم من أسماء الأماكن والبلاد والجبال والأنهار والمياه ، مرتبة بترتيب الحروف الهجائية عند أهل المغرب ، مما يرد ذكره فى الروايات العربية القديمة ، وفى أحاديث الرسول ، وفى الشعر على الخصوص. والمؤلف ينبه على ضبطها وتحديد أماكنها ، ويقتبس كثيرا من الأشعار التى ورد ذكرها بها. ولا شىء أجلب للعناء ولا أحوج إلى الضبط ، من أسماء المواضع والأماكن التى ترد فى الشعر القديم. والكتاب يقدّم معونة لا تقدّر فى هذه السبيل ، ولا غنى عنه لكل من يدرس التاريخ والشعر القديمين ، والجغرافيا والوثائق التاريخية أو الشبيهة بالتاريخية.
وأقول أخيرا ما قلته أولا : إن هذا الكتاب فريد فى بابه ، إذ أن كل ما بقى لنا من هذا النوع ضئيل هزيل ، غير دقيق فى معظم الأحيان ، إذا ووزن بهذا الكتاب الجليل ، الملىء بالتفاصيل الشائقة الغريبة ، والذي ألفه مؤلفه مستعينا بأصول ممتازة ، تكاد تكون اليوم مفقودة.
ومؤلّفه أديب وجغرافى ، كان جديرا كل الجدارة بالقيام بهذه المهمة الشاقّة ، فإن غيره من الجغرافيين؟؟؟ يكدّسون الأخطاء فوق الأخطاء ، ويأتون بالمتناقضات بعد المتناقضات ؛ فإذا أخذت اسم مكان ورد فى قصيدة قديمة ، وحاولت البحث عنه فى أى كتاب ـ خلا «مراصد الاطلاع ، على أسماء الأمكنة والبقاع» فإنه فى هذا الباب فوق كل نقد ـ ونفرض أنك وجدت الاسم فيه ، وذلك نادر ، ووازنت بين ما يقوله ذلك الجغرافى فى كتابه ، وما يقوله البكرىّ ، فإنك تجد فى الغالب أن المعلومات التى يأتى بها الأول خطأ كلها ، أو قل : مختلطة