الحجر ، وأغفل مقابلات النسخ ، لأنه اعتبرها طبعة مؤقتة يستفيد منها العلماء فى بحوثهم فائدة سريعة ، إلى أن يحصل على أصول أخرى غير تلك ، أتم ضبطا ، وأوضح خطا ، وأكثر تفصيلا ، تعين على نشر الكتاب وإذاعته فى طبعة بمطبعة الحروف ، كما فعل فى معجم البلدان والسيرة والاشتقاق وغيرها. هذا إلى أنه أبقى المعجم على ترتيبه الذي وضعه عليه المؤلف ، وهو وضع غير مألوف عند المشارقة ، لاختلاف ترتيب الحروف الهجائية فى المغرب ، عنها فى المشرق. ولذلك كان مصدر عناء للباحثين فى طبعة جوتنجن من المشارقة ، فلم يقبل عليه إلا الأقلّون ، برغم أن الناشر قد أضاف إليه فهرسة على ترتيب أهل المشرق للحروف.
وقد حفزنى الإعجاب بمعجم البكرىّ ، أن أبحث إبّان الحرب ، عما يوجد من مخطوطاته بمصر ، فتتبعت فهارسها بجامعة فؤاد الأول ، ودار الكتب المصرية ، وخزانة الأزهر ، وغيرها ، فعثرت على ثلاث نسخ منه ، اثنتين بدار الكتب ، ونسخة بالأزهر ، وكلها يمتاز بحظ موفور من الضبط ، والوضوح ، وجمال الخط ، وإن لم تستو فى استيفاء المادة ، فأقبلت عليها بحثا ودرسا ، ومقابلة وموازنة ، إلى أن وضح لى أنها فى مجموعها أقدم زمنا وأحسن ضبطا ، وأتم تفصيلا ، من النسخ التى عثر عليها العلامة وستنفلد ، وأنه يمكن أن ينتفع بها كلها فى تصحيح الكتاب ، وإخراج صورة صحيحة منه.
ولما كانت لجنة التأليف والترجمة والنشر معنيّة بنشر نفائس المخطوطات والكتب ، عرضت أمر هذا المعجم على حضرة رئيسها صاحب العزة العالم الجليل الأستاذ أحمد أمين بك ، فوافقنى على إعادة نشره ، مطابقا للأصول المصرية المحفوظة عندنا بمصر ، وعهد إلىّ فى القيام بتحقيق الكتاب وترتيبه ، على أن تتكفّل اللجنة بنفقات طبعه فى مطبعتها.
وها نحن أولاء جميعا نقدم هذا الجزء الأول من المعجم إلى روّاد البحث عن المصادر العربية العتيقة ، يختال فى أبراده ووشيه ، وحلله ورقمه ، من الورق الأبيض الناصع ، الذي طال عهد الناس بفقده ، ومن الحروف العربية الجميلة ، فوق الذي بذلناه فيه من تحقيق وتصحيح ، لا تراهما إلا العين المجردة من الهوى ، مما اقتضى منا كثيرا من الجهد المضنى ، والعناء الذي لا يقوم به إلا الصبر الجميل.