والملاحظ أنّ حركة الفقه والاجتهاد قد انبثق منها محوران أساسيان خلال مسيرتها المباركة ، كلّ واحد منهما يمثّل مصداقاً بارزاً وعنواناً مضيئاً لهذه المؤسّسة ، بما له من الميزة والاختصاص ، من دون أن يكون منافياً للآخر ، فهما صنوان لا يفترقان .
أحدهما : الفقه الفتوائي .
وهو الذي يعتني ببيان الأحكام والفتاوىٰ الشرعيّة من دون التعرّض إلىٰ أدلّتها بالنقض والإبرام ؛ ويعرف من خلاله ـ وعند ذوي الاختصاص ـ مدىٰ دقّة مصنّفه وقوة مبانية وبراعته في إرجاع الفرع إلىٰ الأصل .
ومصاديقه كثيرة ، منها : المقنعة للشيخ المفيد ، والنهاية والمبسوط لشيخ الطائفة الطوسي ، والمهذّب لابن البرّاج ، والمختصر النافع للمحقّق الحلّي ، والقواعد والتبصرة للعلّامة الحلّي ، واللمعة للشهيد الأوّل . . وغيرها ، مضافاً إلىٰ الرسائل العملية لفقهائنا المعاصرين .
وقد يكون الغرض في بعض تلك المصنّفات صيرورتها دستوراً عمليّاً للعوامّ من المؤمنين الذين لا بُدّ لهم من الرجوع إلىٰ فتاوىٰ الفقهاء ، وذلك مثل : الرسائل العمليّة للفقهاء المعاصرين .
وفي بعضها الآخر ـ ولأجل أنّ عباراتها كانت مضغوطة معقّدة ، لم تكن ملائمة لعوامّ الناس ـ صيرورتها متوناً دراسيّة لطلّاب الفقه ، وذلك مثل : قواعد الأحكام وتبصرة المتعلّمين .
الآخر : الفقه الاستدلالي .
وهو الذي يهتمّ
بالتفصيل في عرض الأحكام الشرعيّة مع أدلّتها ، بالقبول أو الردّ ، بالترجيح أو التضعيف ، بالإبرام أو النقض ، علىٰ نحوٍ من
التوسّع في البيان ، والإِحاطة بالأسانيد والأقوال ، وكثرة الفروع وتشعّبها ،