متقابلتين ، فنشأت في الأوّل مدرسة الرأي والقياس ، وعلىٰ رأسها أبو حنيفة ؛ وفي قبالها مدرسة الظاهريّة ، وعلىٰ رأسها داود الظاهري وأحمد بن حنبل .
ونشأت في الثاني مدرسة الاجتهاد والاستنباط ، وعلىٰ رأسها أمثال : زرارة بن أعين ويونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان ، وفي قبالها مدرسة كان يعبّر عن أهلها بأصحاب الحديث أو الحشويّة .
ولا نعني بهذه المقارنة إثبات وحدة المسلكين ـ الظاهري والأخباري أو القياسي والاجتهادي ـ كلّا ، فإنّ بينهما فوارق أساسيّة ، فإنّ مثل زرارة ويونس بريء من القول بالقياس الذي تبنّاه أبو حنيفة وأصحابه (١) .
وإنّما عنينا بهذه المقارنة اشتراك المدرسة الظاهريّة في الفقه العامّي والأخباريّة في الفقه الإمامي في نقطةٍ ، هي شجب الإدراك العقلي والجمود علىٰ محتوىٰ الحديث ، وتقترن هذه الفكرة في الغالب بتسرّع في تصديق الأخبار ، وحسن ظنّ بالرواة ، وقلّة التدبّر في مضمون الروايات ، مع ما كان يمتلكه أصحابها من شموخ في الفضيلة وعلوّ في المرتبة .
وقد أشار الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ إلىٰ جماعةٍ منهم بقوله : لكنّ أصحابنا المتعلّقين بالأخبار أصحاب سلامة وبُعد ذهن وقلّة فطنة ، يمرّون علىٰ وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث . . (٢) .
وقد شكاهم شيخ الطائفة في مقدّمة المبسوط بقوله : وتضعف نيّتي
__________________
(١) وإن كانوا قد نُسِبوا الىٰ القول بالقياس ، فإنّ له معنىٰ آخر لا مجال لذكره هنا . . وهذه النسبة هي من الشواهد علىٰ وجود اتّجاه عقليّ في الأشخاص المنسوب إليهم يشابه القياس في بعض الجهات .
(٢) حكاه عنه كشف القناع : ٢٠٤ .