وقال آخر : معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتفّ بالقضايا (٢٦) .
٣ ـ قولهم نزلت الآية في كذا .
إنّ المراجع لكتب التفاسير ، وخاصّةً الكتب الجامعة لأسباب النزول ، يجدُ أنّهم إذا أرادوا ذكر سبب نزول آية قالوا : نزلت في كذا ، والظاهر أنّ استعمال الصحابة والتابعين لهذا التعبير ، وكون المفهوم من هذا التعبير ما يفهم من قولهم « السبب في نزول الآية كذا » دَفَعهم على المحافظة على هذه العبارة عند بيان أسباب النزول .
ويؤيّده أنّ الحرف « في » يستعمل فيما يناسب السببيّة والربط ، كما في قولك : لامَهُ في أمر كذا ، أي من أجله وعلى فعله (٢٧) .
لكن قال الزركشي : عادة الصحابة والتابعين أنّ أحدهم إذا قال : « نزلت هذه الآية في كذا » فإنّه يريد أنّها تتضمّن هذا الحكم ، لا أنّ هذا كان السبب في نزولها ، فهو من جنس الإستدلال على الحكم بالآية ، لامن جنس النقل لما وقع (٢٨) .
أقول : لم تثبت هذه العادة ، بل المستفاد من عمل علماء القرآن هو الإلتزام بالعكس ، ولا بدّ أنّهم لم يفهموا الخلاف من الصحابة أو التابعين ، بل الأغلب في موارد قول الصحابة والتابعين : « نزلت في كذا » إنّما هو القضايا الواقعة والوقائع الحادثة ممّا لا معنى له إلّا الرواية والنقل ، ولا مجال لحمله على الإستدلال .
ولو تنزّلنا ، فإنّ احتمال كون قولهم : « نزلت في كذا » للإستدلال مساوٍ لاحتمال كونه لبيان سبب النزول ، ولا موجب لكونه أظهر في الإستدلال .
ويقرب ما ذكرنا أنّ ابن تيميّة احتمل في الكلام المذكور كلا الأمرين : الإستدلال وسبب النزول ، فقال : قولهم : « نزلت هذه الآية في كذا . . . » يراد به تارةً سبب النزول ، ويراد به تارةً أنّ ذلك داخل في الآية ، وان لم يكن السبب ، كما نقول عني بهذه الآية كذا (٢٩) .
٤ ـ والتزم الفخر الرازي طريقاً آخر لمعرفة سبب النزول ذكره في تفسير آية
____________________________
٢٦ ـ الإتقان ( ج ١ ص ١١٥ ) .
٢٧ ـ لاحظ : مغني اللبيب لابن هشام ( ص ٢٢٤ ) .
٢٨ ـ الإتقان ( ج ١ ص ١١٦ ) .
٢٩ ـ المصدر السابق ( ج ١ ص ٥ ـ ١١٦ ) .