عند الجمهور ، والاُمّة اتّفقت على قبول رواية ابن عباس ونظرائه من أصاغر الصحابة مع اكثارهم ، وأكثر روايتهم عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مراسيل (٤١) .
وقال النووي ـ بعد أن تعرّض لحكم الحديث المرسل بالتفصيل ـ : هذا كلّه في غير مرسل الصحابي ، أمّا مرسله فمحكوم بصحّته ، على المذهب الصحيح .
وقال السيوطي في شرحه لهذا الكلام : « أمّا مرسله » كإخباره عن شيء فعله النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم أو نحوه ، ممّا يعلم أنّه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه « فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح » الذي قطع به الجمهور من أصحابنا و غيرهم ، وأطبق عليه المحدّثون المشترطون للصحيح ، القائلون بضعف المرسل ، وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى (٤٢) .
ثم ، علی فرض صدق « المرسل » على كلام الصحابي إصطلاحاً ، ولو قلنا باعتبار مرسلات الصحابة تلك التي لم يحضرها ، كان القول باعتبار مرسلاتهم التي حضروها لو سمّيت بالمرسل أولى كما لا يخفى .
رابعاً : إنّ الذي عرفناه في الفقرة السابقة هو انحصار طريق معرفة أسباب النزول بالأخذ من الصحابة ، لأنّ أكثر الأسباب المعروفة للنزول إنّما هو مذكور عن طريقهم ومأخوذ من تفاسيرهم ، لأنّهم وحدهم الحاضرون في الحوادث والمشاهدون للوحي ونزوله ، فلو شدّدنا التمسّك بقواعد علم الرجال ومصطلح الحديث ، وطبّقناها على روايات أسباب النزول ، لأدّى ذلك إلى سدّ باب هذا العلم .
وبما أنّا أكّدنا في صدر هذا البحث على أهمّية المعرفة بأسباب النزول فإنّ من الواضح عدم صحّة هذا التشدّد ، وفساد ما ذكر من عدم حجّيّة روايات الباب ، ولا يكون ما ذكر في علمي الرجال والمصطلح مانعاً من الأخذ بأقوال الصحابة في الباب .
الوجه الثاني : الإعتراض بالإرسال والوقف على التابعين
لا شكّ أنّ ما يرويه التابعي من دون رفعٍ الى من فوقه من الصحابة أو وصله الى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يكون « رأياً » خاصّاً له ، فلا يكون حجّة من باب كونه حديثاً نبويّاً ، لأنّه لا يدخل تحت عنوان « السُنّة » ويسمّى ـ في مصطلح دراية
____________________________
٤١ ـ روضة الناظر ( ص ١١٢ ) .
٤٢ ـ تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ( ص ١٢٦ ) .