قال : «وغيرهم ، لكن يطول ذكرهم على ما نحن بصدده ، وإنما ذكرت له أعيانهم ليعلم أن العلم بالتعلم ، ولو لا المربّي لما عرفت ربّي :
«ومن لا له شيخ وعاش بعقله |
|
فذاك هباء عقله وجنون» |
أطراف من حياته :
تبوّأ الآثاري مناصب عدة في مصر ، فمنها أنّه صار نقيبا للحكم بمصر ثم استقر في الحسبة بمال وعد به سنة ٧٩٩ ه ، ثم عزل عنها ، ثم أعيد ، ثم عزل عنها ، بعد أن ركبه الدين بسبب ذلك ، ففرّ من مصر سنة إحدى وثمانمائة ، فدخل اليمن ومدح ملكها فأعجبه وأثابه. ثم تغيرت عليه الأيام ، فنفاه سلطانها الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل إلى الهند فأقام بها سنتين. وتحفظ لنا مخطوطة باريس من كتابه «القلادة الجوهرية في شرح الحلاوة السكرية» حقيقة مهمة هي أنه نظم مقدمته الصغرى في النحو وهو في الهند سنة ست وثمانمائة للسلطان رانا بن هميرانا صاحب تانا من بلاد الهند ، وأنّه مرّ في عودته من الهند باليمن السعيد والحجاز الشريف ، وأنه فرغ من شرحه هذا سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بالصالحية من دمشق. وفي ختام مخطوطته «العقد البديع» ما يؤكد أنه كان بمكة المشرفة عام تسعة وثمانمائة. وتذكر مصادر ترجمة الآثاري أنه قدم القاهرة سنة عشرين وثمانمائة ، ثم توجه إلى دمشق فقطنها مدة ووقف كتبه وتصانيفه بالباسطية ، وهي خانقاه كانت بالجسر الأبيض بدمشق. ثم قدم القاهرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة ورجع إلى دمشق ثم عاد إلى القاهرة فمات فيها يوم وصوله في سابع عشر جمادى الآخرة سنة ٨٢٨ ه.
ولقد انطوت بموت الآثاري صحيفة وضيئة من صحائف الفكر العربي. لقد كان وراء تشرد الآثاري ونفيه عبر الأقطار سبب ذكره مؤرخوه هو هجوه لبعض الأعيان ، ونحسب أن جرأته في قول الحق وصراحته كانتا وراء ذلك وحين توفّي خلّف تركة جيدة قيل بلغت ما قيمته خمسة آلاف دينار ، فاستولى عليها شخص ادّعى أنه أخوه ، وأعانه على ذلك بعضهم فتقاسما المال. وهذا الخبر يكشف لنا حقيقة مهمة وهي أنه لم يعقب ، وقد حاول ابن حجر العسقلاني ـ وهو من معاصريه الغضّ من قدره ، فنسب إليه أمورا يستبعد صدورها عن مثله ، لا سيّما أنه ذكرها بدون إسناد ، وقديما قيل : المعاصرة حجاب ساتر.