الباب الاول
في صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك
قال الله عز وجل : ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا. وقال جل وعز : والذي جعل لكم الأرض قرارا والسّماء بناء. وقال سبحانه : والله جعل لكم الأرض بساطا.
قال المفسرون : البساط والمهاد : القرار والتّمكّن منها ، والتصرف فيها.
واختلف القدماء في هيئة الأرض وشكلها ، فذكر بعضهم أنها مبسوطة التسطيح في أربع جهات : في المشرق والمغرب والجنوب والشمال ، ومنهم من زعم أنها كهيئة التّرس ، ومنهم من زعم أنها كهيئة المائدة ، ومنهم من زعم أنها كهيئة الطبل ، وزعم بعضهم أنها شبيهة بنصف الكرة كهيئة القبّة وأن السماء مركبة على أطرافها ، وقال بعضهم : هي مستطيلة كالأسطوانة الحجرية او العمود ، وقال قوم : الأرض تهوي إلى ما لا نهاية له ، والسماء ترتفع إلى ما لا نهاية له ، وقال قوم : إن الذي يرى من دوران الكواكب إنما هو دور الأرض لا دور الفلك ، وقال آخرون : إن بعض الأرض يمسك بعضا ، وقال قوم : إنها في خلاء لا نهاية لذلك الخلاء.
وزعم أرسطاطاليس أن خارج العالم من الخلاء مقدار ما تنفس السماء فيه ، وكثير منهم يزعم أن دوران الفلك عليها يمسكها في المركز من جميع نواحيها. وأما المتكلمون فمختلفون أيضا : زعم هشام ابن الحكم أن تحت الأرض جسما من شأنه الارتفاع والعلوّ ، كالنار والريح ، وأنه المانع للأرض من الانحدار ، وهو نفسه غير محتاج إلى ما يعمد ، لأنه ليس مما ينحدر بل يطلب الارتفاع. وزعم أبو الهذيل : أن الله وقفها بلا عمد ولا علاقة ، وقال بعضهم : إن الأرض ممزوجة من جسمين : ثقيل وخفيف ، فالخفيف شأنه الصّعود ، والثقيل شأنه الهبوط ، فيمنع كلّ واحد منهما صاحبه من الذّهاب في جهته لتكافؤ تدافعهما. والذي يعتمد عليه جماهيرهم ، أن الأرض مدورة كتدوير الكرة ، موضوعة في جوف الفلك كالمحّة في جوف البيضة ، والنسيم حول الأرض جاذب لها من جميع جوانبها إلى الفلك ، وبينه الخلق على الأرض ، وأن النسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفّة ، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل ، لأن الأرض بمنزلة حجر المغناطيس الذي يجتذب الحديد وما فيها من الحيوان ، وغيره بمنزلة الحديد.
وقال آخرون من أعيانهم : الأرض في وسط الفلك يحيط بها الفرجار في الوسط على مقدار واحد ،