من فوق وأسفل ومن كل جانب ، وأجزاء الفلك تجذبها من كل وجه ، فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية ، لأن قوة الأجزاء متكافئة ، ومثال ذلك : حجر المغناطيس الذي يجتذب الحديد لأن في طبع الفلك أن يجتذب الأرض.
وأصلح ما رأيت في ذلك وأسدّه في رأيي ، ما حكاه محمد بن أحمد الخوارزمي ، قال : الأرض في وسط السماء ، والوسط هو السّفل بالحقيقة ، والأرض مدوّرة بالكلية ، مضرّسة بالجزئية من جهة الجبال البارزة والوهدات الغائرة ، ولا يخرجها ذلك من الكريّة ، إذا وقع الحسّ منها على الجملة ، لأن مقادير الجبال ، وإن شمخت ، صغيرة بالقياس إلى كل الأرض ، ألا ترى أن الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان إذا نتأ منها كالجاورسات وغار فيها أمثالها ، لم يمنع ذلك من إجراء أحكام المدوّر عليها بالتقريب؟ ولولا هذا التّضريس ، لأحاط بها الماء من جميع الجوانب وغمرها حتى لم يكن يظهر منها شيء ، فإن الماء وإن شارك الأرض في الثّقل وفي الهويّ نحو السفل ، فإن بينهما في ذلك تفاضلا يخف به الماء بالإضافة إلى الأرض ، ولهذا ترسب الأرض في الماء وتنزل الكدورة إلى القرار ، فأما الماء فإنه لا يغوص في نفس الأرض ، بل يسوخ فيما تخلخل منها واختلط بالهواء ، والماء إذا اعتمد على الهواء المائي للتخلخل نزل فيها وخرج الهواء منها ، كما ينزل القطر من السحاب فيه ، ولمّا برز من سطح الأرض ما برز ، جاز الماء إلى الاعماق ، فصار بحارا ، وصار مجموع الماء والأرض كرة واحدة يحيط بها الهواء من جميع