الباب الثالث
في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب
فإن فسرناها في كل موضع تجيء فيه أطلنا ، وإن ذكرناها في موضع دون الآخر بخسنا أحدهما حقّه ، ويبهم على المستفيد موضعها ، وإن ألقيناها جملة أحوجنا الناظر في هذا الكتاب إلى غيره ، فجئنا بها هاهنا مفسرة ، مبيّنة ، مسهّلا على الطالب أمرها ، وهي البريد ، والفرسخ ، والميل ، والكورة ، والإقليم ، والمخلاف ، والاستان ، والطسوج ، والجند ، والسكة ، والمصر ، وأباذ ، والطول ، والعرض ، والدرجة ، والدقيقة ، والصلح ، والسلم ، والعنوة ، والخراج ، والفيء ، والغنيمة ، والقطيعة.
فأما البريد : ففيه خلاف ، وذهب قوم إلى أنه بالبادية اثنا عشر ميلا ، وبالشام وخراسان ستة أميال. وقال أبو منصور : البريد الرسول ، وإبراده إرساله. وقال بعض العرب : الحمّى بريد الموت أي انها رسول الموت تنذر به ، والسّفر ، الذي يجوز فيه قصر الصلاة ، أربعة برد ، ثمانية وأربعون ميلا بالأميال الهاشمية التي في طريق مكة ، وقيل لدابّة البريد بريد ، لسيرها في البريد ، قال الشاعر :
واني أنصّ العيس ، حتى كأنني ، |
|
عليها بأجواز الفلاة ، بريد |
وقال ابن الأعرابي : كلّ ما بين المنزلين بريد. وحكى بعضهم ما خالف به من تقدّم ذكره ، فقال : من بغداد إلى مكة مائتان وخمسة وسبعون فرسخا وميلان ، ويكون أميالا ثمانمائة وسبعة وعشرين ميلا. وهذه عدّة ثمانية وخمسين بريدا وأربعة أميال. ومن البريد عشرون ميلا. هذه حكاية قوله.
والله أعلم. وخبّرني بعض من لا يوثق به ، لكنه صحيح النظر والقياس ، أنه إنما سمّيت خيل البريد بهذا الاسم ، لأن بعض ملوك الفرس اعتاق عنه رسل بعض جهات مملكته ، فلما جاءته الرسل سألها عن سبب بطئها ، فشكوا من مرّوا به من الولاة ، وأنهم لم يحسنوا معونتهم. فأحضرهم الملك وأراد عقوبتهم ، فاحتجوا بأنهم لم يعلموا أنهم رسل الملك ، فأمر أن تكون أذناب خيل الرسل وأعرافها مقطوعة لتكون علامة لمن يمرون به ، ليزيحوا عللهم في سيرهم فقيل : بريد أي قطع ، فعرّب فقيل خيل البريد. والله أعلم.
وأما الفرسخ : فقد اختلف فيه أيضا. فقال قوم : هو فارسيّ معرّب وأصله فرسنك. وقال