اللغويون : الفرسخ عربيّ محض. يقال : انتظرتك فرسخا من النهار أي طويلا. وقال الأزهري : أرى ان الفرسخ أخذ من هذا. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال : سمي الفرسخ فرسخا ، لأنه إذا مشى صاحبه استراح وجلس. قلت : كذا. قال : وهذا كلام لا معنى له. والله أعلم. وقد روي في حديث حذيفة : ما بينكم وبين أن يصبّ عليكم الشّرّ فراسخ ، إلا موت رجل ، فلو قيل قد مات صبّ عليكم الشرّ فراسخ. قال ابن شميل في تفسيره : وكل شيء دائم كثير فرسخ. قلت : أنا أرى ان الفرسخ من هذا أخذ ، لأن الماشي يستطيله ويستديمه. ويجوز في رأيي أن يكون تأويل حديث حذيفة أنه يصبّ عليكم الشّرّ طويلا بطول الفراسخ ، ولم يرد به نفس الطول ، وانما يراد به مقدار طول الفرسخ الذي هو علم لهذه المسافة المحدودة. والله أعلم. وقالت الكلابية : فراسخ الليل والنهار ساعاتهما وأوقاتهما ، ولعلّه من الأول ، وان كان هذ هو الأصل ، فالفرسخ مشتقّ منه كأنه يراد سير ساعة أو ساعات ، هذا إن كان عربيّا. وأما حدّه ومعناه ، فلا بدّ من بسط يتحقق به معناه ومعنى الميل معا. قالت الحكماء : استدارة الأرض في موضع خطّ الاستواء ثلاثمائة وستون درجة ، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع. فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع ، والذراع أربع وعشرون إصبعا ، والإصبع ست حبّات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض. وقيل : الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ، تكون بذراع المساحة ، وهي الذراع الهاشمية ، وهي ذراع وربع بالمرسل تسعة آلاف ذراع وستمائة ذراع. وقال قوم : الفرسخ سبعة آلاف خطوة ، ولم أر لهم خلافا في أن الفرسخ ثلاثة أميال.
وأما الميل : فقال بطليموس في المجسطي : الميل ثلاثة آلاف ذراع بذراع الملك ، والذراع ثلاثة أشبار ، والشبر ست وثلاثون إصبعا ، والإصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض. قال : والميل جزء من ثلاثة أجزاء من الفرسخ. وقيل : الميل ألفا خطوة وثلاثمائة وثلاث وثلاثون خطوة. وأما أهل اللغة فالميل عندهم مدى البصر ومنتهاه.
قال ابن السّكيّت : وقيل للاعلام المبنية في طريق مكة أميال ، لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ، ولا نعني بمدى البصر كل مرئيّ فإنّا نرى الجبل من مسيرة أيام ، إنما نعني أن ينظر الصحيح البصر ما مقداره ميل ، وهي بنية ارتفاعها عشر أذرع أو قريبا من ذلك ، وغلظها مناسب لطولها ، وهذا عندي أحسن ما قيل فيه.
وأما الإقليم : فقد تقدّم من القول فيه اشتقاقا واحدا واختلافا في الباب الثاني ما أغنانا عن اعادة ذكره ، وإنما ترجمناه ههنا لأنه حريّ بان يكون فيه ، فلما تقدّم ما تقدّم من أمره دللنا على موضعه ليطلب.
وأما الكورة : فقد ذكر حمزة الأصفهاني : الكورة اسم فارسيّ بحت ، يقع على قسم من أقسام الاستان ، وقد استعارتها العرب وجعلتها اهما للاستان ، كما استعارت الإقليم من اليونانيين فجعلته اسما للكشخر ، فالكورة والاستان واحد. قلت أنا : الكورة كل صقع يشتمل على عدّة قرى ،