متقاربان. وعندي انه من السلامة ، أي إنه إذا اتفق الفريقان واصطلحا ، سلم بعضهم من بعض ، والله أعلم.
وأما العنوة : فيجيء في قولنا : فتح بلد كذا عنوة ، وهو ضدّ الصلح ، قالوا : العنوة أخذ الشيء بالغلبة. قالوا : وقد يكون عن تسليم وطاعة مما يؤخذ منه الشيء. وأنشد الفرّاء :
فما أخذوها عنوة ، من مودّة ، |
|
ولكن بحدّ المشرفيّ استقالها |
قالوا : وهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. قلت : وهذا تأويل في هذا البيت على أن العنوة بمعنى الطاعة ، ويمكن أن يؤوّل تأويلا يخرجه عن أن يكون بمعنى الغصب والغلبة ، فيقال إن معناه : فما أخذوها غلبة وهناك مودّة ، بل القتال أخذها عنوة ، كما تقول : ما أساء إليك زيد عن محبّة ، أي بغضة ، كما تقول : ما صدر هذا الفعل عن قلب صاف وهناك قلب صاف أي كدر ، ويكون قريبا في المعنى من قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ (وَالنَّصارى) نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ). ويصلح أن يجعل قوله أخذوها دليلا على الغلبة والقهر ، ولولا ذلك لقال : فما سلّموها ، فإن قائلا لو قال : أخذ الأمير حصن كذا ، لسبق الوهم ، وكان مفهومه أنه أخذه قهرا. ولو قال : إن أهل حصن كذا سلّموه ، لكان مفهومه أنهم أذعنوا به عن إرادة واختيار ، وهذا ظاهر. والإجماع أن العنوة الغلبة ، ومنه العاني وهو الأسير. يقال أخذته عنوة أي قسرا وقهرا ، وفتحت هذه المدينة عنوة أي بالقتال : قوتل أهلها حتى غلبوا عليها أو عجزوا عن حفظها فتركوها وجلوا من غير أن يجري بينهم وبين المسلمين فيها عقد صلح
وأما الخراج : فإن الخراج والخرج بمعنى واحد ، وهو أن يؤدّي العبد إليك خراجه أي غلّته. والرعية تؤدّي الخراج إلى الولاة ، وأصله من قوله تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) ، وقرئ خراجا ، معناه أم تسألهم أجرا على ما جئت به ، فأجر ربّك وثوابه خير. وأما الخراج الذي وظّفه عمر بن الخطّاب ، رضي الله عنه ، على السواد ، فأراضي الفيء ، فإن معناه الغلّة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : الخراج بالضمان ، قالوا : هو غلّة العبد يشتريه الرجل فيستغلّه زمانا ، ثم يعثر منه على عيب دلّسه البائع ولم يطلعه عليه ، فله ردّ العبد على البائع والرجوع عليه بجميع الثمن ، والغلّة التي استغلّها المشتري من العبد طيّبة له ، لأنّه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله ، وكان عمر ، رضي الله عنه ، أمر بمسح السواد ودفعه إلى الفلّاحين الذين كانوا فيه على غلّة كل سنة ، ولذلك سمّي خراجا ، ثم بعد ذلك قيل للبلاد التي فتحت صلحا ووظّف ما صولحوا عليه على أرضهم ، خراجية ، لأن تلك الوظيفة أشبهت الخراج الذي لزم الفلاحين ، وهو الغلّة ، لأن جملة معنى الخراج الغلّة ، وفي الحديث أن أبا طيبة لما حجم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمر له بصاعين من طعام وكلّم أهله ، فوضعوا عنه من خراجه
أي من غلّته.
وأما الفيء والغنيمة : فإن أصل الفيء في اللغة الرجوع ، ومنه الفيء ، وهو عقيب الظلّ الذي