للشجرة وغيرها بالغداة ، والفيء بالعشيّ ، كما قال حميد بن ثور :
فلا الظلّ ، من برد الضّحى ، تستطيعه ، |
|
ولا الفيء ، من برد العشيّ ، تذوق |
وقال أبو عبيدة : كل ما كانت الشمس عليه وزالت ، فهو فيء وظلّ ، وما لم تكن الشمس عليه فهو ظلّ ، ومنه قوله تعالى ، في قتال أهل البغي : (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) ، الآية ، أي ترجع ، وسمّي هذا المال فيئا ، لأنه رجع إلى المسلمين من أملاك الكفّار. وقال أبو منصور الأزهري في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) ، الآية ، أي ما ردّ الله على أهل دينه من أموال من خالف أهل ملّته بلا قتال ، إما أن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم ، فهذا المال هو الفيء في كتاب الله. قال الله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ، أي لم توجفوا عليه خيلا ولا ركابا. أنزلت في أموال بني النضير حين نقضوا العهد وجلوا عن أوطانهم إلى الشام ، فقسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أموالهم من النخيل وغيرها في الوجوه التي أراد الله أن يقسمها فيها ، وقسمة الفيء غير قسمة الغنيمة التي أوجف عليها بالخيل والركاب.
قلت : هذه حكاية قول الأزهري ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، رضي الله عنه ، وإذا كان الفيء ، كما قلنا ، الرجوع ، فلا فرق بين أن يرجع إلى المسلمين بالإيجاف أو غير الإيجاف ، ولا فرق أن يفيء على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، خاصّة أو على المسلمين عامّة ، وأما الآية فإنما هي حكاية الحال الواقعة في قصة بني النضير ، لا دليل فيها على أن الفيء يكون بإيجاف أو بغير إيجاف ، لأن الحال هكذا وقعت ، ولو فاء هذا المال بالإيجاف وكان للمسلمين عامّة ، لجاز أن يجيء في الآية : ما أفاء الله على المؤمنين من أهل القرى ، ففي رجوع الفيء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بنفي الإيجاف ، دليل على أنه يفيء على غيره بوجود الإيجاف ، ولولا أنهما واحد لاستغنى عن النّفي واكتفى بقوله عز وجل : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، إذ كان الكلام بدون نفيه مفهوما. وقد عكس قدامة قول الأزهري ، فقال : إن الفيء اسم لما غلب عليه المسلمون من بلاد العدوّ قسرا بالقتال والحرب ، ثم جعل موقوفا عليهم ، لأن الذي يجتبى منهم راجع إليهم في كل سنة. قلت : فتخصيص قدامة لمال الفيء ، بأنه لا يكون إلا ما غلب عليه قسرا بالقتال ، غلط. فإن الله سمّاه فيئا في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ). والذي يعتمد عليه ، أن الفيء كلّ ما استقرّ للمسلمين وفاء إليهم من الكفار ، ثم رجعت إليهم أمواله في كل عام ، مثل مال الخراج وجزية الرءوس ، كأموال بني النضير ، ووادي القرى ، وفدك التي فتحت صلحا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكأموال السواد التي فتحت عنوة ثم أقرّت بأيدي أهلها يؤدّون خراجها في كل عام. ولا اختلاف بين أهل التحصيل ، أن الذي افتتح صلحا ، كأموال بني النضير وغيرهم ، يسمّى فيئا ، وأن الذي افتتح من أراضي السواد وغيرها عنوة وأقرّ بأيدي أهله ، يسمّى فيئا ، لكن الفرق بينهما أن ما فتح