عنوة كان فيئا للمسلمين الذين شهدوا الفتح يقسم بينهم ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأموال خيبر ويسمّى غنيمة أيضا ، وأما الذين رغبوا في الصلح مثل وادي القرى وفدك أو جلوا عن أوطانهم من غير أن يأتيهم أحد من المسلمين ، كأموال بني النضير ، فأمره إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والأئمة من بعده يقسمون أمواله على من يريدون ، كما يرون فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأموال هؤلاء.
وأما الغنيمة : فهو ما غنم من أموال المشركين من الأراضي كأرض خيبر ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قسمها بين أصحابه بعد إفراد الخمس ، وصارت كل أرض لقوم مخصوصين ، وليست كأموال السواد التي فتحت أيضا عنوة ، لكن رأى عمر ، رضي الله عنه ، أن يجعلها لعامّة المسلمين ، ولم تقسم فصارت فيئا يرجع إلى المسلمين في كل عام. ومن الغنيمة الأموال الصامتة التي يؤخذ خمسها ويقسم باقيها على من حضر القتال ، للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم ، فهذا شيء استنبطته أنا بالقياس ، من غير أن أقف على نصّ هذا حكايته ، ثم بعد وقفت على كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ، فوجدته مطابقا لما كنت قلته ومؤيّدا له ، فإنه قال : الأموال التي تتولاها أئمة المسلمين ثلاثة ، وتأويلها من كتاب الله : الصدقة ، والفيء ، والخمس ، وهي أسماء مجملة يجمع كل واحد منها أنواعا من المال.
فأما الصدقة : زكاة أموال المسلمين ، من الذهب والورق والإبل والبقر والغنم والحبّ والثمر ، فهذه هي الأصناف الثمانية التي سمّاها الله تعالى ، لا حقّ لأحد من الناس فيها سواهم. وقال عمر ، رضي الله عنه : هذه لهؤلاء ، وأما مال الفيء ، فما اجتبي من أموال أهل الذّمّة من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرّمت أموالهم ، بما صولحوا عليه من جزية ، ومنه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرّها الإمام بأيدي أهل الذمّة على قسط يؤدّونه في كل عام ، ومنه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا عنها على خرج مسمّى. ومنه ما يأخذه العاشر من أموال أهل الذمّة التي يمرّون بها عليه في تجاراتهم ، ومنه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات ، فكل هذا من الفيء ، وهذا الذي يعمّ المسلمين ، غنيّهم وفقيرهم ، فيكون في أعطية المقاتلة ، وأرزاق الذّريّة ، وما ينوب الإمام من أمور الناس بحسن النظر للإسلام وأهله.
وأما الخمس : فخمس غنائم أهل الحرب ، والركاز العاديّ ، وما كان من عرض ، أو معدن ، فهو الذي اختلف فيه أهل العلم ، فقال بعضهم : هو للأصناف الخمسة المسمّين في الكتاب لما قال عمر ، رضي الله عنه ، وهذه لهؤلاء ، وقال بعضهم : سبيل الخمس سبيل الفيء ، يكون حكمه إلى الإمام ، إن رأى أن يجعله فيمن سمّى الله جعله ، وإن رأى أن الأفضل للمسلمين والأوفر لحظهم أن يضعه في بيت مالهم لنائبة تنوبهم ومصلحة تعنّ لهم ، مثل سدّ ثغر ، وإعداد سلاح وخيل وأرزاق أهل الفيء من المقاتلين والقضاة وغيرهم ممن يجري مجراهم ، فعل.
وأما القطيعة : فلها معنيان ، أحدهما أن يعمد الإمام الجائز الأمر والطاعة إلى قطعة من الأرض