الاستصحاب وغيره أيضا.
فحاصل الكلام في هذا المقام ، أنّ الدليل العقلي إمّا حكم العقل بعنوان القطع على وجوب الشّيء عقلا ، كردّ الوديعة ، أو حرمته كذلك ، كالظّلم ، أو استحبابه كذلك كالإحسان ، وهكذا.
ومن جملتها : حكمه بالإباحة في المنافع الخالية عن المضرّة قبل ورود الشّرع على القول به ، أو حكمه بعنوان الظنّ به ، مثل أنّ العقل يحكم حكما راجحا ببقاء ما كان عند عروض الشّك في زواله ، وبأنّ ما ثبت يدوم الى أن يحصل الرّافع ، فإذا ظنّ بقاء الحرمة السّابقة أو الوجوب السّابق بسبب حصولهما في الآن السّابق ، فيظنّ الضّرر بمخالفة الحالتين السّابقتين ، ويحكم بعد ملاحظة أنّ دفع الضّرر المظنون واجب ، بأنّ متابعة الحالتين السّابقتين واجبة.
فهذا هو المائز (١) بين الأدلّة التي تفيد الظنّ للمجتهد ، إذ بعضها يفيد الظنّ من جهة أنّه كلام الشّارع ، وبعضها يفيد الظنّ من جهة أنّه حكم العقل ولو كان حكما ظنيّا.
ومن هذا يظهر الكلام في الحكم بإباحة ما لم يبلغنا المنع عنه بعد ظهور الشّرع أيضا ، لحصول الظنّ حينئذ من جهة العقل.
فالعقل إمّا يحكم في الموضوعات الخاصّة صريحا قطعيّا كالعدل والظّلم مطلقا ، وشمّ الورد وأكل الفاكهة قبل ورود الشّرع.
__________________
(١) المائز أو المائز كما عبّر في الكتاب وهي بالميم من التّمييز ، وفي بعض النّسخ كتبت بالحاء من الحيازة وفي الاثنين توجيهين مع درك المطلب.