وإمّا من جهة عموم حكمه بقبح تكليف ما لا يطاق ، ويندرج تحته نفي وجوب الوضوء على من فقد الماء ، والصّوم على من لم يقدر عليه ، وكذا العمل على مقتضى الحكم النّفس الأمري فيما لا نصّ فيه ولم يدرك حكمه العقل ، فيحكم العقل بعدم الوجوب وعدم الحرمة إذا لم يثبت الحكم بنصّ أو عقل قاطع ، وهذا هو الأصل المعبّر عنه بالبراءة الأصليّة ، بل وكذلك حكمه الظّاهرىّ كما سنبيّنه (١) ، وهو ما تنازع فيه الفريقان في الإباحة والحظر والتوقّف كما سيجيء في أصل البراءة.
والظاهر أنّ العقل أيضا يحكم برفع التكليف فيه.
وإمّا من جهة عموم حكمه بأنّ ما ثبت فالمظنون بقاؤه إذا كان ما يثبت ثبوته محقّقا من عقل أو حسّ أو شرع ، ثمّ يجب العمل عليه استنادا الى أنّ دفع الضّرر
__________________
(١) فإنّ ايجاب العمل على ما هو مقتض الحكم النّفس الأمري كما يكون تكليفا بما لا يطاق فيما ليس فيه حكم من العقل ولا نص فيه من الشّرع ، كذلك إيجاب العمل على مقتضى الحكم الظاهري هو أيضا تكليف بما لا يطاق ، وذلك لأنّ الحكم الظّاهرى بعد تعارض أدلّة الإباحة والحظر الواردة في بيان الحكم الظاهري يكون مجهولا كالحكم الواقعي ، فلو كلّف بما هو حكم ظاهري بحسب نفس الأمر لا بحسب ظنّنا لكان تكليفا بما لا يطاق ، لأن الحكم الظّاهري سواء قلنا إنّه الإباحة أو الحظر يكون مظنونا كما يعلم من كلمات المصنّف في مبحثه لأصل البراءة حيث قال : إنّ الأقوى والأظهر هو العمل على البراءة الأصليّة وإنّ أدلّة البراءة الأصلية أقوى من أدلّة التّوقف ، وأمثال ذلك ممّا ينادي بأنّ الحكم الظاهري ليس مقطوعا به ، بل ظنّي والظّن كثيرا ما يخالف الواقع ، وهذا هو مراده بقوله : كما سنبيّنه ، وإلّا فليس في كلامه فيما يأتي تصريح بأنّه لو لم يكتف الشارع هنا بهذا الحكم الظّاهري في ظنّنا يلزم التكليف بما لا يطاق.