مطابق اصلاً .
على أنّ المطابقة واللامطابقة ، كالإنقسام الى التصوّر والتصديق من خواصّ العلم الحصولي دون الحضوري ، ومن كلام صاحب أثولوجيا إنّ علم المبادیء أجلّ من أن يوصف بالصدق ، وإنما هو الحقّ بمعنى أنه الواقع لا المطابق للواقع .
ومنها قوله : ويؤيّده إطلاق عالم الأمر على هذا العالم : إنّ المحقّقين من أهل التوحيد ، أي العارفين بالله يعبّرون عنه بعالم الأمر ، والحكماء الإلهيين بالعقل . وديدن أهل التوحيد في اصطلاحاتهم هو الأخذ من كلمات الوحي ، وأهل بيت الوحي ، وقال عزّ من قائل : « أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (٢٣) والتعبير عن هذا العالم بعالم الأمر ـ كما في الحكمة المنظومة ـ لوجهين :
أحدهما : من جهة اندكاك إنّيته واستهلاكه في نور الأحدية ، إذ العقول مطلقاً من صقع الربوبية ، بل الأنوار الاسفهبدية لا ماهيّة لها على التحقيق ، فمناط البينونة الذي هو المادة سواء كانت خارجية أو عقلية مفقود فيها ، فهي مجرّد الوجود الذي هو أمر الله وكلمة « كن » الوجودية النورية .
وثانيهما : إنّه وإن كان ذا ماهية يوجد بمجرّد أمر الله ، وتوجّه كلمة « كن » إليه من دون مؤنة زائدة من مادّة ، وتخصص استعداد ، فيكفيه مجرّد إمكانه الذاتي (٢٤) .
ومنها قوله : إنّ هذا العالم الحسّي كالصنم والاُنموذج لذلك العالم . ويدلّك على هذا المطلب الأرفع كلمة الآية والآيتين والآيات في القرآن الكريم ، فتلك الكلمة المباركة ناطقة بأن ما سواه سبحانه على ضرب من التعبير بالسواء مظاهره ، ومراياه ، ومجاليه ، فأحدس من هذا ان الوجود واحد شخصي أحدي صمدي مطلق عن الإطلاق والتقييد ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن . وان جميع أسمائه سبحانه ـ إلّا ما استأثره لنفسه ـ متحقّق في كل كلمة وآية ، وإن كانت تسمّى بالصفة الغالبة على غيرها ، والإسم القاهر على غيره ، ولذا اشتمل كلّ شيء على كل شيء . وذلك الإشتمال كما في مصباح الانس على ثلاثة أنواع ، لأنّ الظاهر من الآثار ، اما آثار بعض
____________________________
(٢٣) الأعراف : ٥٤ .
(٢٤) اُنظر : ص ٥٠ ، الطبعة الاُولى .