مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) (٢٩) .
فإن قلت : العلم تابع للمعلوم ، وهو الذات الإلٰهية وكمالاتها ، فكيف يكون ـ أي العلم ـ عبارة عن نفس الامر ؟
قلت : الصفات الإضافية لها اعتباران ، اعتبار عدم مغايرتها للذات ، واعتبار مغايرتها لها ـ أي أنّها غير الذات ـ فبالاعتبار الأول العلم ـ والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات التي تعرض لها الإضافة ـ ليس تابعاً للمعلوم ، والمراد والمقدور ، لأنّها عين الذات ولا كثرة فيها .
وبالاعتبار الثاني العلم تابع للمعلوم ، وكذلك الإرادة والقدرة تابعة للمراد والمقدور .
وفي العلم اعتبار آخر ، وهو حصول صور الأشياء فيه . فهو ـ أي العلم ـ ليس من حيث تبعيته لها عبارة عن نفس الأمر ، بل من حيث أنّ صور تلك الأشياء حاصلة فيه هي عبارة عنه ، من حيث تبعيته لها . يقال : الأمر في نفسه كذا ، أي تلك الحقيقة التي يتعلّق بها العلم ، وليست غير الذات في نفسها كذا ، أي والحال ان تلك الحقيقة ليست غير الذات يقال في نفسها كذا .
وجعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الأمر حق ، لكونه مظهراً للعلم الإلهي من حيث إحاطته بالكلّيات المشتملة على جزئياتها ، ولكون علمه مطابقاً لما في علم الله تعالى . وكذلك النفس الكلّية ، المسمّاة باللوح المحفوظ بهذا الاعتبار عبارة عن نفس الأمر » .
أقول : كلامه الشريف شامل على مطالب عديدة سامية ينبغي الإشارة إليها :
منها : انّه سبحانه عالم بالأشياء على الوجه الكلّي ، وكذلك على الوجه الجزئي ، من حيث هو جزئي « أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (٣٠) ، وهذا المطلب الأسمى مستفاد من وحدة الوجود الشخصية التي هي موضوع الصحف العرفانية ، ومسائلها ، وإطلاق هذه الوحدة على الذات الصمدية على الوجه التامّ هو ما عبّر به إمام الكلّ في الكلّ
____________________________
(٢٩) يونس : ٦١ .
(٣٠) الملك : ١٤ .