عليه السلام في خطبة من النهج ـ قال الرضي في وصفها : وتجمع هذه الخطبة من اُصول العلم ما لا تجمعه خطبه ـ بقوله : « ولا يُقال لَهُ حدٌ ، ولا نهايةٌ ، ولا انقطاعٌ ، ولا غايةٌ ، ولا أنَّ الأشياء تحويه ، فتقلّهُ ، أو تُهويه ، أو أنّ شيئاً يحمله فيميله أو يعدّله ، ليسَ في الأشياءِ بوالج ولا عنها بخارجٍ » (٣١) .
بل أهل الذوق يفهمون من قوله سبحانه « وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ » (٣٢) ، ومن قوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » (٣٣) هذا المعنى اللطيف ، ويفسّرون الإسم القيوم بهذا السرّ القويم . واستيفاء البحث عن العلم موكول الى رسالتنا في العلم .
ومنها قوله : « والقول باستحالة أن يكون ـ الى قوله ـ والحالية الاُخرى » كلام كامل متقن في تحقّق الأعيان الثابتة في الذات ، ومن هنا ، وعلى هذا المنوال ، قال صدر المتألّهين :
« وأمّا تحاشيه ( يعني تحاشي الشيخ الإشراقي ) وتحاشي من تبعه عن القواعد بالصور الإلهية ، لظنّهم أنه يلزم حلول الأشياء في ذاته ، وفي علمه الذي هو عين ذاته ، فقد علمت ان ذلك غير لازم ، إلّا عند المحجوبين عن الحق ، الزاعمين انها كانت غيره تعالى ، وكانت أعراضاً حالّة فيه ، واما إذا كانت عينه من حيث الحقيقة والوجود ، وغيره من حيث التعيّن والتقيّد ( يعني التقيّد بالحدود ) فبالحقيقة ليس هناك حالّ ، ولا محلّ ، بل شيء واحد متفاوت الوجود في الكمال والنقص والبطون والظهور .
ونفس الأمر عند التحقيق عبارة عن هذا العلم الإلهي لصور الأشياء كليها وجزئيها ، وقديمها وحادثها ، فإنّه يصدق عليه أنه وجود الأشياء على ما هي عليها ، فإنّ الأشياء موجودة بهذا الوجود الإلهي ، الحاوي لكلّ شيء إذا الأشياء كما ان لها وجوداً طبيعياً ، ووجوداً مثالياً ، ووجوداً عقلياً ، فكذلك لها وجود إلهي عند العرفاء . وهذا الوجود أولى بأن يكون عبارة عن نفس الأمر ، ولا يلزم من ذلك ثبوت المعدومات إذ ثبوت المعدوم الذي حكم عليه أنه محال عبارة عن انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقاً لا انفكاكها عن الثبوت الخارجي ، مع تحقّقها بالوجود الربّاني وظهورها فيه » (٣٤) .
____________________________
(٣١) نهج البلاغة : ٢٧٤ فهرسة صبحي الصالح .
(٣٢) الحديد : ٤ .
(٣٣) ق : ١٦ .
(٣٤) آخر الفصل الحادي عشر من الموقف الثالث من إلهيات الأسفار ٣ : ٥٦ ، الطبعة الاُولى .