أقول : مراد صاحب الأسفار بالكمال هو المرتبة الأحدية ، والنقص هو المرتبة الواحدية ، ولا شكّ أنّها نقص بالإضافة الى الأحدية لوقوع الكثرة في هذه المرتبة ، والمرتبة الأحدية هي البطون ، أي الغيب المطلق الذي لا يخبر عنه ، ويمكن أن يكون المراد بالنقص نفس الماهيات التي يعبّر عنها بالأعيان الثابتة ، أو الوجودات المقيّدة بالحدود من حيث سعة المجال وضيقه ، أعني التشكيك في اصطلاح العارف ، فتبصر !
ثم العجب من صاحب الحكمة المنظومة حيث قال فيها في « غرر في ذكر الأقوال في العلم ووجه الضبط لها » ما هذا لفظه : « الشيخ العربي واتباعه جعلوا الأعيان الثابتة اللازمة لأسمائه تعالى في مقام الواحدية علمه تعالى . وهذا أيضاً مزيف من حيث إثباتهم شيئية للماهيات ، وإسنادهم الثبوت إليها في مقابل الوجود ، مع انك قد عرفت أصالة الوجود ولا شيئية الماهية إلّا ان يصطلحوا أن يطلقوا الثبوت على مرتبة من الوجود ، كأنّهم وضعوها ، مباناً من حقيقة الوجود مرتبة منها ، وقابلوها بها . . . » (٣٥) .
ولست أدري أنّه رحمة الله ـ مع طول باعه في الحكمة المتعالية ـ كيف تفوّه بهذا الرأي الفائل ؟
وقد حقّقنا في تعليقاتنا على كشف المراد : انّ الماهيات في اصطلاح الحكيم هي الأعيان الثابتة في اصطلاح العارف ، وهي الصور العلمية بوجودها الأحدي ، الذي هو عين الذات الصمدية ، وقد اصطلح العارف ان يسمّي العلم ثابتاً ، والعين وجوداً ، لا أنّ الثبوت واسطَة بين الوجود والعدم ، بل واسطة بين وجوده الخارجي والعدم ، بمعنى أنّه وجود علمي إلّا أنّه يسميه ثبوتاً للفرق بين العلم والعين ـ اصطلاحاً ـ ، وتفصيل ذلك يطلب في تعليقنا على المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأول من المقصد الأول من كشف المراد .
ثمّ إنّ كلام العلّامة القيصري وصدر المتألّهين على وزانه من أنّ نفس الأمر ـ عند التحقيق ـ عبارة عن هذا العلم الإلهي لصور الأشياء في غاية الإحكام والإتقان ، لأنّ ما له نفسية حقيقة لا بد أن يكون له وجود طبيعي ، ووجود مثالي ، ووجود عقلي ، ووجود إلهي ، والتفاوت بالكمال والنقص كالأبدان الإنسانية ـ مثلاً ـ بل الإنسان
____________________________
(٣٥) الحكمة المنظومة : ١٦٠ ، الطبعة الاُولى .