الحكمة المتعالية ، أعني بها أسفار صدر المتألّهين ، مأخوذة من الصحف العرفانية ، كتمهيد القواعد وشرح القيصري على فصوص الحكم ومصباح الانس لابن الفناري ، والفتوحات المكّية للشيخ العارف محيي الدين ابن العربي .
وقد أجاد في كلامه الرفيع من انّ المكاشفات الذوقية مطابقة للقوانين البرهانية ، كقوله : الآخر الثقيل ، أيضاً في أول الفصل الثاني من الباب السادس من نفس الأسفار :
« الشرع والعقل متطابقان في هذه المسألة ـ يعني في مسألة ان النفس الناطقة ليست بجسم ولا مقدار ، ولا منطبعة في مقدار ـ كما في سائر الحكميات وحاشى الشريعة الحقّة الالهية البيضاء ان تكون احكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية وتباً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة (٤٣) .
فالعرفان والبرهان يدوران حيثما دار القرآن ، ولن يفترق كل واحد منها عن الآخرين قط . والإنسان الكامل قرآن وبرهان وعرفان ، وهو لن يفترق عن القرآن والبرهان والعرفان قط ، كما ان العرفان الأتمّ ، والبرهان الأقوم ـ وكذا الحقائق القرآنية بأعلى ذرى مقاماتها ـ لا تنفكّ عنه ولا تفترق قط .
وجملة الأمر في الاعتبارين ، المأخوذ في الجواب أنّ علم الواجب بالأشياء هو وجود الواجب ـ بملاحظة اتحاده بالأعيان الثابتة ـ إذا لوحظ بحسب الوجود أي لوحظ وجود الواجب مع قطع النظر عن هذا الاتحاد يكون متبوعاً وعين الواجب ، وإذا لوحظ العلم من حيث انه علم ، أي لوحظ وجوده باعتبار اتحاده بالأعيان يكون تابعاً للأعيان ، بمعنى أنّ علمه يكون على طبق ما تكون الأعيان عليه في نفسها ، ويكون متكثراً بتكثّر الأعيان ، بمعنى أنّ علمه بهذا العين المخصوص غير علمه بعين اُخرى لتغاير العينين بالذات .
وقال القيصري في آخر الفصل الأول من الفصول المذكورة في التنبيه المعقود في عينيّة الصفات للوجود : « إنّ الحياة ، والعلم ، والقدرة ، وغير ذلك من الصفات تطلق على تلك الذات ، وعلى الحقيقة اللازمة لها من حيث انها مغايرة بالإشتراك
____________________________
(٤٣) لاحظ : ص ٧٥ ، ج ٤ ، الطبعة الاُولى .