عن التصديق والحفظ يكون على هذا البيان ، فعلى هذا لا يرد ما أورد عليه صاحب الأسفار ، بل لا يبعد أن يكون ـ ما أفاده قدّس سره في تحقيقه الرشيق في حلّ الإشكال ـ راجعاً الى ما قاله الدواني أيضاً . فدونك ما أورد عليه في حلّ الإشكال أولاً :
قال ـ قدّس سره ـ بعد نقل كلام الدواني المذكور آنفاً ما هذا لفظه : « وفيه ما لا يخفى من الخلل ، والقصور .
اما أولاً ، فلأنّ ما في العقل الفعال هو أشدّ تحصّلاً ، وأقوى ثبوتاً مما في أذهاننا ، فاقتران الموضوع للمحمول إذا حصل في أذهاننا ، فربما كان الاقتران بينهما اقتراناً ضعيفاً ، وارتباط أحدهما بالآخر ارتباطاً متزلزلاً ، وذلك لضعف سببه ، وكاسبه ، ودليله ، حيث لم يكن الاقتران بينهما من برهان ذي وسط لمّي ، أو من حدس ، أو حس ، أو تجربة ، أو غير ذلك ، فيكون الحكم منّا باقترانهما غير قاطع ، فهو شكّ أو وهم ، وربّما كان الواقع بخلافه ، فيكون حكماً كاذباً .
واما إذا اقترن الموضوع بالمحمول في العقل الفعّال ، فيكون اقتران أحدهما بالآخر اقتراناً مؤكداً ضرورياً ، حاصلاً عن اسباب وجودهما على هذا الوجه ، كاقتران أحدهما بالآخر في الظرف الخارج ، وليس مصداق الحكم إلّا عبارة عن اقتران الموضوع بالمحمول ، أو اتحادهما في نحو من الوجود في الواقع .
واما ثانياً ، فلأنّ التصوّر والتصديق ـ كما تقرّر وتبيّن في مقامه ـ إنما هو نوعان من العلم الإنطباعي ، الحادث في الفطرة الثانية ، فأما علوم المبادیء العالية ، وعلم الحق الأوّل جلّ ذكره ، فليس شيء منهما تصوراً ، ولا تصديقاً ، فإنّ علوم المبادیء كلّها عبارة عن حضور ذواتها العاقلة والمعقولة بأنفسها ، وحضور لوازمها الوجودية بنفس حضور ذواتها الثابتة لذواتها ، من غير جعل وتأثير مستأنف وتحصيل ثانٍ ، حسبما قرّرناه كعلمنا بذاتنا ، ولوازم ذاتنا غير المنسلخة عنّا ، بحسب وجودنا العيني ، وهويتنا الإدراكية ، التي هي عين الحياة والشعور » .
أقول : قوله : « حاصلاً عن اسباب وجودهما على هذا الوجه » يعني على هذا الوجه المؤكّد .
وقوله : « من العلم الإنطباعي » يعني به الإنفعالي
الارتسامي ، ثم إنّ الدواني لا