لها ملكة الإتصال والإرتباط بشأن من شؤون العقل الفعّال ، متى شاءت من هذه الجهة ، فكذلك إذا ارتسمت فيها صورة قضية كاذبة ، وتكرّر ارتسامها ، أو التفتت النفس إليها التفاتاً قوياً حصلت لها ملكة الإتصال من هذه الجهة بشأن آخر من شؤونه متى شاءت ، ولا يلزم أن يكون ـ ذلك الشأن بعينه ـ قضيّة ذهنية صادقة ، ولا هذا قضيّة كاذبة ، بل يكون أمراً يناسب ذاك ، وأمراً يناسب هذا ، فهذا معنى اختزان صور الأشياء في عالم العقل واسترجاع النفس إليه .
وقد أشرنا لك مراراً أن ليس معنى حصول صور الموجودات في العقل البسيط ارتسامها فيه ، على وجه الكثرة المتميّز بعضها عن بعض ، كما ان صورها المحسوسة ترتسم في المادّة الجسمانية ، وكذا صورها النفسانية التفصيلية ، التي ترتسم في النفس الخيالية على هذا الوجه ، وذلك لضيق هذا العالم ، وما يتعلّق به من المشاعر عن الحضور الجمعي ، والتمام العقلي ، والبراءة عن العدم ، والغيرية ، والكثرة ، والإنقسام » .
أقول : قوله : « من حيث كونها أمراً وجودياً من ذلك العالم » ، أي من ذلك العالم العقلي . قوله : « فإنّ الأول خير حقيقي » أي اليقين ، « والثاني نافع » أي ملكة الصدق . وقوله : « من هذه الجهة بشأن آخر » أي من جهة تكرّر ملاحظتها بعلوم صادقة .
ثم ان قوله : « كما رآه الإفلاطونيون » ، قد استوفينا الكلام عن هذا المطلب الرفيع المنيع في رسالتنا المصنوعة في المثل الإلهية ، وقوله : « واما الى جهات متعدّدة فاعلية في العقل الأخير ، كما هو رأي المشائين » قد دريت إطلاقات العقل الفعال السائر في ألسنتهم .
قوله : « وقد أشرنا لك مراراً . . . » وبذلك التحقيق الأنيق يعلم أن ما قال الفخر الرازي : إنّ العقل الفعال عندهم علّة لحدوث الألوان والصور والمقادير ، مع عدم اتصافه بها (٤٦) ليس على ما ينبغي ، بل هو رأي فائل ، وقول باطل ، فإنّ الكثرة بوجودها الأحدي موجودة في خزائنها .
ثم ما حقّقنا في معنى نفس الأمر ، دريت ان نفس الأمر ـ على بعض وجوه معانيها ـ يشمل الواجب تعالى أيضاً لو تفوّهنا وقلنا مثلاً ـ : إنّ الأمر في الحقّ سبحانه
____________________________
(٤٦) كما نقل ذلك عنه المحقّق الطوسي في آخر الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من شرحه على الإشارات .