واستشهاده ـ رحمهالله ـ بالرواية القائلة بلزوم الأخذ بالمشهور بين الأصحاب عند التعارض دليل واضح على ذلك ، إذ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور الطرفين عن النبي صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام.
وقوله ـ رحمهالله ـ بعد ذلك : «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليهالسلام» ظاهر في عدم جزمه بصدور أحاديث كتابه عن المعصوم عليهالسلام.
نعم قد يقال : إن أحاديث «الكافي» إن لم تكن قطعية الصدور فلا أقل من صحتها إسنادا ، ذلك لأن مؤلفه قد شهد ـ نتيجة بذله غاية ما وسعه من الجهد في التحريري والاحتياط ـ بصحة جميع أحاديث كتابه حيث قال في المقدمة : «وقلت : أنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعلم به الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهمالسلام ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله» (٦٣).
فإن ظاهر قوله «بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهمالسلام» اعتقاده بصحة ما أورده في كتابه ولكن هذا ـ بغض النظر عما قالوا فيه (٦٤) ـ لا يستلزم وثوق الشيخ الكليني بدلالة كل حديث موجود في كتابه حتى ينسب إليه بالقطع واليقين القول بمداليل جميع رواياته ، ويؤكد هذا قوله : «ونحن لا نعرف من جميع ذلك» بل ويؤكده أيضا ملاحظة بعض أحاديثه.
توضيح ذلك أنه ـ رحمهالله روى ـ مثلا ـ أحاديث في كتاب الحج من فروعه تفيد أن الذبيح كان (إسحاق) لا (إسماعيل) ، ومن تلك الأحاديث ما رواه عن أحدهما عليهماالسلام : «وحج إبراهيم عليهالسلام هو وأهله وولده ، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».
__________________
(٦٣) الكافي ١.
(٦٤) مفاتيح الأصول معجم رجال الحديث ، وغيرهما ، وقد جاء في المفاتيح عن المحدث الجزائري تصريحه بأنه ليس في كلام الكليني ما يدل حكمه بصحة أحاديث كتابه