بالجعل التشريعيّ والاعتبار.
وأمّا القسم الأوّل فمقتضى وقوعه موضوعاً للأحكام التكليفية عقلائيّاً وشرعاً هو كونه مجعولاً بالاستقلال ؛ لا منتزعاً عن الحكم التكليفي ؛ لأنّ موضوعيّته للحكم التكليفيّ تقتضي سبقه عليه رتبةً ، مع أنّ انتزاعه يقتضي تأخّره عنه.
وقد تُثار شبهة لنفي الجعل الاستقلاليّ لهذا القسم أيضاً بدعوى أنّه لغو ؛ لأنّه بدون جعل الحكم التكليفيّ المقصود لا أثر له ، ومعه لا حاجة إلى الحكم الوضعي ، بل يمكن جعل الحكم التكليفيّ ابتداءً على نفس الموضوع الذي يفترض جعل الحكم الوضعيّ عليه.
والجواب على هذه الشبهة : أنّ الأحكام الوضعية التي تعود إلى القسم الأوّل اعتبارات ذات جذورٍ عقلائية ؛ الغرض من جعلها تنظيم الأحكام التكليفية وتسهيل صياغتها التشريعية ، فلا تكون لغواً.
شمول الحكم للعالم والجاهل :
وأحكام الشريعة ـ تكليفيةً ووضعيةً ـ تشمل في الغالب العالم بالحكم والجاهل على السواء ، ولا تختصّ بالعالم. وقد ادّعي أنّ الأخبار الدالّة على ذلك مستفيضة (١) ، ويكفي دليلاً على ذلك إطلاقات أدلّة تلك الأحكام. ولهذا أصبحت
__________________
(١) بل قد ادّعى الشيخ الأعظم رحمهالله في فرائده (١ : ١١٣) أنّها متواترة. والظاهر أنّ المقصودبها أخبار الاحتياط الوارد جلّها في كتاب الوسائل الجزء ٢٧ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، وذلك بدعوى أنّ هذه الأخبار لو لم تتمّ دلالتها على وجوب الاحتياط عند الشكّ فلا أقلّ من دلالتها على شمول الحكم الواقعي للإنسان الشاكّ وإن كان محكوماً بالبراءة ظاهراً.