حين أطاع أمر الله ، فجاد لجبل طور سيناء بكل ما كان عليه من شجر ونبات ومياه حتى صار أقرع ، فأوحى إليه لأعوّضنّك عمّا كان على ظهرك ... لأجعلنّ فى سفحك غراس أهل الجنة».
وقد ورد ذكر «غراس أهل الجنة» فيما حكاه الإمام الليث بن سعد عن وصف «المقوقس» لسفح المقطم من أنه يجد صفته فى الكتب القديمة أنه يدفن فيه «غراس أهل الجنة». وورد تفسير «غراس أهل الجنة» فى خطاب عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ حين أخبره بما ذكره المقوقس ، إذ قال عمر : «أنا لا أعرف غراس الجنة إلّا للمؤمنين ، فاجعلها «أى أرض سفح المقطم» مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين». ومنذ ذلك الحين صار سفح المقطم أرضا مسبّلة يدفن فيها موتى المسلمين.
وقد اشتمل سفح المقطم ـ فيما اشتمل عليه من مدافن ـ على كثير من قبور الأبرار من الصحابة ، والتابعين ، والأشراف ، والأولياء ، والأئمة ، والفقهاء ، والقرّاء ، والعلماء ، والزّهّاد ، والقضاة ، وكبار رجال الدولة ؛ وهكذا صار سفح المقطم بما يحويه من قبور الأبرار مزارا ومعلما من معالم مصر الإسلامية ، ومن ثمّ استرعت مزارات المقطم على طول العصور نظر العشرات من العلماء الذين ألفوا عنها ، مثل : الكندى ، والقضاعى ، وابن يونس ، والقرشى ، والهروى ، والمسبحى ، وابن خلكان ، وابن الجباس ، وابن الملقن ، وابن الزيات ، والسخاوى ، والمقريزى ، وعلى مبارك ، وغيرهم من العلماء ، وخاصة علماء الآثار الذين عنوا بصفة خاصة بما بقى منها فى سفح المقطم ، وما يليه من أراض.
ومن الكتب التى تتصدر هذه المؤلفات هذا الكتاب الذي نقدم له : «كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار ، المسمى الدر المنظم فى زيارة الجبل المقطم ، لموفق الدين بن عثمان ، المتوفى سنة ٦١٥ ه» الذي يشمل فترة زمنية تمتد من فتح مصر حتى العصر الأيوبى ؛ والذي استوعب ما سبقه فى هذا الموضوع من مؤلفات.