٦ ـ شخصية أبى عثمان العلمية
لم يظفر «أبو عثمان المعافرى» بما يستحق من اهتمام العلماء الذين ألفوا فى التراجم من المشارقة والمغاربة على السواء ، قريبين من عصره ، أو متأخرين ، حتى علماء الأندلس الذين عاصروه ، وتتلمذوا على «أبى بكر بن القوطية» شيخ أبى عثمان مثل أبى الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن الفرضى صاحب تاريخ علماء الأندلس ، ولم يكن «أبو عثمان» بدعا فى ذلك ، بل كان هذا نصيب كثير من العلماء ، وبخاصة علماء الأندلس ، يقول «بروكلمان» عن علماء مصر ، واليمن ، والأندلس «والترجمة لهؤلاء العلماء محدودة فى كتب التراجم ، فبينما نرى أن علماء البلاد الأخرى احتلت أسماؤهم الكثير من صفحات كتب التراجم أو معظمها ، إذ بنا نرى أن علماء مصر ، واليمن ، والأندلس لم ترد تراجمهم إلا فى كتب قلة من كتب التراجم ، وبعضهم لم يذكر فى شىء منها (١).
وإذا عزت النصوص المكتوبة التى تفيد فى تأكيد مكانة هذا العالم ، فإن كتاب الأفعال ـ بما حوى من ثروة لغوية ، ونحوية ، وصرفية ، وأدبية ، ودراية بالقراءات ، ونقول غير محدودة عن العلماء المتقدمين ، ودقة تامة فى نسبة ما رواه عنهم ، وإثبات كل هذا بشواهد من الشعر ، والرجز ، والقرآن ، والحديث ، والأمثال ، وأقوال الأعراب يقف بنا أمام عالم يتميز فى إنتاجه العلمى بسمات من أبرزها :
ـ الصبر والأناة والاستقراء لآراء العلماء حول المعنى الواحد.
ـ تتبع آراء العالم فى أكثر من موضع وأكثر من كتاب.
ـ عرض الآراء ، وتمحيصها ، ونقدها إن كان للنقد مكان.
ـ الاستيثاق التام فى نقل الآراء ونسبة الرواية والاستشهاد إذا أدى ترك النّص إلى اللبس.
ـ ثقافة ، وسعة معارف ، وثروة من الفوائد التى يحفل بها الكتاب.
__________________
(١) بروكلمان الترجمة العربية ٣ ـ ٢٧٤